ويستحب من قيام الليل ثلثه، وأقل الاستحباب من القيام سدسه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقم ليلة قط حتى أصبح، بل كان ينام فيها، ولم ينم ليلة حتى يصبح، بل كان يقوم فيها على ما بيناه.
وقيل: إن صلاة أول الليل للمتهجدين، وقيام أوسطه للقانتين، وقيام آخره للمصلين، والقيام من الفجر للغافلين.
وعن يوسف بن مهران أنه قال: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك براثنه من لؤلؤ، وصيصته من زبرجد أخضر، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه ورقاً وقال: ليقم القائمون، فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم المتهجدون، فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم القانتون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم القانتون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم.
وقال بعض العارفين: إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً، فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير، ثم تنتشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين.
وروى أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عباداً من عبادي يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم، وينظرون إلى وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتك، فقال: يارب وما علامتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي الشفيق غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا جهنم الليل واختلط الظلام، وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب يجيبه، نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم، فناجوني بكلامي، وتملقوني بإنعامي، فبين صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشكون من حبي، أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم، والثانية لو كانت السموات السبع والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم، والثالثة أقبل بوجهي الكريم عليهم فترى من أقبلت بوجهي الكريم عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه.