[(فصل) في صفة النار وما أعد الله لأهلها فيها وفي صفة الجنة وما أعد الله لأهلها فيها]
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة واجتمع الخلائق ليوم لا ريب فيه في صعيد واحد، غشيتهم ظلمة سوداء لا ينظر بعضهم بعضًا من شدة الظلمة، والخلائق قيام على صدور أقدامهم، وبينهم وبين ربهم عز وجل مسيرة سبعين عامًا.
قال: فبينما هم كذلك إذ تجلى الخالق تبارك وتعالى للملائكة، فأشرقت الأرض بنور ربها، وانجلت الظلمة فغشي الخلائق كلهم نور ربهم، والملائكة حافون من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ويقدسون له.
قال: فبينما الخلائق قيام كلهم صفوفًا، كل أمة قائمة في ناحية، إذ أتى بالصحف والميزان، ووضعت الصحف وعلق الميزان بيد ملك من الملائكة يرفعه مرة ويخفضه مرة أخرى، قال: فبينما هم كذلك إذ كشف الغطاء عن الجنة فأزلفت، فهبت منها ريح فوجد المسلمون عرفها كالمسك وبينهم وبينها مسيرة خمسمائة عام، ثم كشف الغطاء عن جهنم فهبت منها ريح مع دخان شديد، فوجد المجرمون عرفها وبينهم وبينها مسيرة خمسمائة عام.
ثم جئ بها تقاد موثقة بسلسلة عظيمة عليها تسعة عشر خازنًا من الملائكة، مع كل خازن منهم سبعون ألف ملك أعوان له، فيقودها كل خازن منهم مع أعوانه، وسائر الخزان مع أعوانهم يمشون عن يمينها وشمالها وورائها، بيد كل ملك منهم مقمعة من حديد يصيحون بها، فتمشى ولها زفير وشهيق ووعث وظلمة ودخان وتقعقع ولهب عال من شدة غضبها على أهلها، فينصبونها بين الجنة والموقف، فترفع طرفها، فتنظر إلى الخلائق، ثم تجمع إليهم لتأكلهم، فيحبسونها خزنتها بسلاسلها، فلو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر.
فلما رأت أنها قد حبست عن الخلائق فارت فورًا شديدًا {تكاد تميز من الغيظ}[الملك: ٨].