ثم شهقت الثانية فتسمع الخلائق صوت صريف أسنانها فارتعدت عند ذلك الأفئدة، وانخلعت القلوب وطارت الأفئدة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.
قال قائل: يا نبي الله حلها لنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: نعم، هي مثل هذه الأرض عظمًا سبعون جزاء من بعد، سوداء مظلمة لها سبعة رؤوس، لكل رأس منها ثلاثون بابًا، طول كل باب منها مسيرة ثلاث ليال، وشفتها العليا تضرب منخرها، والشفة السفلى تسحبها، وفي كل منخر من مناخرها وثاق وسلسلة عظيمة، يمسكها سبعون ألف ملك غلاظ شداد كالحة أنيابهم أعينهم كالجمر وألوانهم كلهب النار، يفور من مناخرهم لهب، ودخان عال، مستعدين لأمر الجبار تبارك وتعالى.
قال: فحينئذ تستأذن جهنم ربها عز وجل في السجود، فيقول لها: نعم اسجدي، قال: فتسجد ما شاء الله، قال: ثم يقول لها الجبار عز وجل: ارفعي، قال: فترفع رأسها فتقول: الحمد لله الذي جعلني ينتقم بي ممن عصاه، ولم يجعل شيئًا ممن خلق ينتقم به مني، قال: ثم تقول بلسان طلق ذلق سلق: الحمد لله ما شاء الله من ذلك بصوت لها جهير، ثم تزفر زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا أحد ممن شهد الموقف إلا جثا على ركبتيه، ثم تزفر الثانية فلا تبقى قطرة في عين أحد إلا بدرت، ثم تزفر الثالثة فلو كان لكل آدمي أو جني عمل اثنين وسبعين نبيًا لواقعوها، ثم تزفر الرابعة فلا يبقى شيء إلا انقطع كلامه، غير أن جبريل وميكائيل وإبراهيم خليل الرحمن عز وجل متعلقون بالعريش يقول كل واحد منهم: نفسي نفسي لا أسألك غيرها.
قال" ثم ترمى بشرر كعدد نجوم السماء، عظم كل شرارة كالسحابة العظيمة، الطالعة من المغرب، فيقع ذلك الشرر على رؤوس الخلائق، قال: ثم ينصب الصراط عليها فهيأ له سبعمائة قنطرة، ما بين كل قنطرتين منها سبعون عامًا، وقيل: سبع قناطر، وعرض الصراط من الطبقة الأولى إلى الطبقة الثانية مسيرة خمسمائة عام، ومن الثانية إلى الثالثة مسيرة خمسمائة عام، ومن الثالثة إلى الرابعة مثلها، ومن الرابعة إلى الخامسة مثلها، ومن الخامسة إلى السادسة مثلها، ومن السادسة إلى السابعة مسيرة خمسمائة عام وهي أعرضهن وأشدهن حرًا وأبعدهن قعرًا وأكثرهن جمرًا وأكثرهن ألوانًا بسبعين جزءًا، فأما الطبقة الدنيا فقد جاز لهبها الصراط يمينًا وشمالًا في السماء مسيرة ثلاثة أميال، وكل طبقة أشد حرًا وأكبر جمرًا وأكثر في ألوان العذاب من التي فوقها بسبعين جزءًا، في