ينبغي لي أن أرخى العنان وخلع العذار بالكلية، فأنمزج في المعاصي، بل أجاهد فيما يخف على من ترك بعض المعاصي فأتركها فيكون قهري لبعض ذلك كفارة لبعض الباقي، ولعل الله يراني أخافه في بعض معاصيه، وأتركها لأجله، وأجاهد نفسي وشيطاني في تركها، فيعينني ويوفقني، ويحول بيني وبين بقية المعاصي برحمته.
ولو لم يكن الأمر على ما قلنا لما صحت صلاة كل فاسق ولا صومه ولا زكاته ولا حجه ولا شيء من الطاعات، بأن يقال له: أنت فاسق خارج من طاعة الله بفسقك، مخالف لأمره، فعبادتك هذه لغير الله تعالى، فإن زعمت أنها لله عز وجل فاترك الفسق، فإن أمر الله فيه واحد ولا يتصور أن تقصد بصلاتك التقرب إلى الله ما لم تتقرب بترك الفسق.
وهذا محال لا يقال، فما هذا إلا بمثابة من عليه ديناران لرجلين وهو قادر على الأداء إليهما، فأدى أحد الدينارين إلى أحدهما وجحد الآخر، وحلف عليه مع علمه ذلك وتحققه له، فلا شك أن ذمته بريئة مما قد أدى ومشتغلة بما جحد وأبى.
فكذلك من أطاع الله تعالى في بعض أوامره مطيع له بطاعته، وإذا عصاه في بعض نواهيه عاص له بمعصية فهو مؤمن ملئ ناقص الإيمان طائع بطاعته عاص مخالف له بمخالفته، وهذا هو دأب كل مخلط في أمر دينه إلى أن يبلغ إلى حالة يزول هواه، فتنقطع عنه جميع المعاصي إلا من شاء الله أن يقضي عليه بها، إذ لا معصوم، ويتوب الله على من تاب، ويتفضل بالرحمة على من تاب.
[(فصل: في ذكر الأخبار والآثار الواردة في التوبة)]
قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة فقال: أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تحصنوا، وانهوا عن المنكر تنصروا".
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقول:"اللهم اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم".