فقال قوم إن المشركين كانوا يقولون أشرق ثبير كيما نفير، يعني ادخل في الشرق يا ثبير، وهو اسم جبل، كيما نغير أي كيما ندفع، لأنهم كانوا لا يدفعون ولا يفيضون من المزدلفة إلا بعد أن تشرق الشمس فجاء الإسلام فأبطل ذلك.
وقيل: إنما سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، وتشريق اللحم: أن يشرح ويشرق في الشمس، ويسمى القديد شرائق اللحم.
وقيل: بل سميت الصلاة يوم النحر، والتشريق صلاة العيد، وإنما أخذ من شروق الشمس لأن ذلك يكون وقتها، وسمى المصلى المشرق لأن الناس يبرزون فيه للشمس، فسمى يوم العيد يوم التشريق لهذا المعنى، ثم صارت أيام التشريق تبعًا للعيد.
وقيل لذى النون المصري -رحمه الله -: لم سمى الموقف بالمشعر ولم يسم بالحرم؟ فقال: لأن الكعبة بيته، والحرم حجابه، والمشعر بابه، فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرعون إليه، ثم أوقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما أن قربوها وتطهروا من الذنوب أمرهم بالزيارة على الطهارة.
فقيل له: لم كره الصيام في أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زاروا الله تعالى وهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه.
فقيل له: يا أبا الفيض ما معنى تعلق الرجل بأستار الكعبة؟ قال: مثله كمثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو متعلق بذيل رجال يشفعون له أن يهب له جرمه.
[(فصل) واختلف في قدر التكبير في هذه الأيام]
قال نافع -رحمه الله -: كان عمر وعبد الله ابنه -رضي الله عنهما -يكبران بمنى هذه الأيام عقيب الصلاة، وفي المجلس، وعلى الفرش، والفسطاط، وفي الطريق، ويكبر الناس بتكبيرها، ويتلوان هذه الآية، فالاتفاق حاصل على كون التكبير سنة، وإنما الخلاف في قدره.
وكان علي -رضي الله عنه -يكبر من صلاة الغداة من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو مذهب إمامنا أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى -، وأحد أقوال الشافعي ومذهب أبى يوسف ومحمد بن الحسن، وهو أولى الأقاويل وأجمعها