عليه الخلع والأنوار والنعيم والحياة الطيبة، والقرب على ما أعد وأخبر لأوليائه وأحبابه، بقوله عز وجل:{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}[السجدة: ١١].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، اقرأوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}.
فإن رددت الفقير اليد الغني القلب المتمثل لأمر مولاه في إخباره لك عن حاله لأجل عياله أو نفسه طائعًا لربه عز وجل في ذلك خائفًا له، أن لو ترك سؤالك إذ كلفه الله ذلك وابتلاه به، قال الله عز وجل:{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}[الفرقان: ٢٠] وهي حالة له لا تدوم، بل تنقضي عن قريب وينقل إلى ما قسم له من الغنى والعز الدائم بقرب مولاه وإعطائه، عاقبك الله يا غني اليد فقير القلب، الجاهل بنفسه وبربه، ومنشئه ومنتهاه، بأن يسلب الغنى عن يدك، فتصير فقير اليد كما كنت فقير القلب، فتكون أبدًا فقيرًا إلى الأشياء، فلا تشبع منها حريصًا عليها، طالبًا لها معذبًا في إرادتها وتحصيلها، وهي غير مقسومة لك، كما قيل: إن من أشد العقوبات طلب ما لا يقسم إلا أن يتغمدك الله برحمته، فينبهك لذنبك فتستغفره، وتتوب إليه من ذلك وتعترف بتفريطك ويتوب عليك ويغفر لك، فذلك إليه وهو أرحم الراحمين غفور رحيم.
* * *
[(فصل: في آداب الفقير في فقره)]
فينبغي للفقير أن تكون شفقته على فقره كشفقة الغني على غناه، فكما أن الغني يفعل كل شيء ويجتهد حتى لا يزول غناه، فكذلك ينبغي للفقير أن يفعل مثل ذلك حتى لا يزول فقره، فيسأل الله عز وجل زوال غناه إلى فقره، أو يتعرض بالمعايش والاكتساب والأسباب للاستغناء، والتكثر بالدنيا للعيال، وعفة النفس عند الضيقة.
ومن شرط الفقير أن يقف مع كفايته، ولا يأخذ فوقها بحال، ويكون أخذه لذلك القدر امتثالاً لأمر الله تعالى، وخوفًا من الوقوع في إثم قتل النفس، قال الله عز وجل:{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}[النساء: ٢٩] لأن منعه لنفسه حقها حرام،