بالتسبيح والتهليل والثناء على رب العالمين شكرًا لما أعطى هذه الأمة، فيقول الله -عز وجل -وهو أعلم: يا عرشي لم رفعت صوتك؟ فيقول: إلهى بلغني أنك قد غفرت البارحة لصالحى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -وشفعت صالحيها في طالحيها، فيقول الله تعالى: صدقت يا عرشي، ولأمة محمد عندي من الكرامة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وقيل: إن جبريل -عليه السلام -إذا نزل من السماء ليلة القدر لا يدع أحدًا من الناس إلا سلم عليه وصافحه، وعلامة ذلك اقشعرار جلده وترقيق قلبه وتدميع عينيه.
ولهذا روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كان مهمومًا لأجل أمته، فقال الله تعالى: يا محمد لا تغتم فإني لا أخرج أمتك من الدنيا حتى أعطيهم درجات الأنبياء، وذلك أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام -تنزل عليهم الملائكة بالروح والرسالة والوحي والكرامة، وكذلك أنزل بالملائكة على أمتك في ليلة القدر بالتسليم والرحمة مني.
(فصل) والأمارة في أنها ليلة القدر، أن تكون ليلة طلقة سمحة لا حارة ولا باردة.
وقيل: لا يسمع فيها نباح الكلاب، وتطلع الشمس صبيحتها، ليس لها شعاع كالطست، وتكشف عجائبها لأرباب القلوب والولاية وأهل الطاعة لمن يشاء الله تعالى من المؤمنين من عباده، وعلى قدر أحوالهم وأقسامهم ومنازلهم في القرب من الله -عز وجل -.
(فصل) وصلاة التراويح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم -.
صلاها ليلة، وروى ليلتين، وروى ثلاثًا، ثم انتظروه فلم يخرج، وقال: "لو خرجت لفرضت عليكم".
ثم استديمت في أيام عمر -رضي الله عنه -، فلذلك أضيفت إليه لأنه ابتدأها، والحديث المروى في ذلك عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -خرج في جوف الليل في شهر رمضان، فصلى في المسجد وصلى الناس بصلاته، فلما كانت الليلة الثانية كثر الناس حتى عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما صلى الفجر أقبل على الناس وقال: "إنه لم يخف على شأنكم الليلة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عن ذلك".