منتهى، فإذا بلغ الكتاب أجله، وانتهى ما قدر لهم من البقاء في دار الفناء، نقلهم منها بأحسن الانتقال، كما ينقل العروس من حجرة إلى دار، من الأدنى إلى الأعلى، فالدنيا في حقهم جنة، وفي الآخرة لأعينهم قرة، وهو النظر إلى وجهه الكريم من غير حجاب ولا باب ولا حاجب ولا بواب، ولا مانع ولا جداد، ولا من ولا امتنان، ولا ضيم ولا إضرار، ولا انقطاع ولا نفاد، كما قال عز من قائل:{إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر}[القمر: ٥٤ - ٥٥]، وكما قال:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}[يونس: ٢٦].
أحسنوا في الدنيا له بالطاعة، فجازاهم في العقبى بالجنة والكرامة، وأعطاهم النعمة والسلامة، وزادوا له بتطهير القلوب وترك العمل لما سواه، فجازاهم سبحانه وتعالى بالزيادة في دار البقاء والمنة، وهو دوام النظر إلى وجهه الكريم، كما أخبر في كتابه المبين لعباده أولى الألباب والعقول.
(فصل) وللنفس والروح مكانان لإلقاء الملك والشيطان، فالملك يلقى التقوى إلى القلب، والشيطان يلقي الفجور إلى النفس، فتطالب النفس القلب باستعمال الجوارح بالفجور.
وفي مكانين في البنية: العقل والهوى: يتصرفان بمشيئة حاكم، وهو التوفيق والإغواء.
وفي القلب نوران ساطعان: وهما العلم، والإيمان.
فجميع ذلك أدوات القلب وحواسه وآلاته، والقلب في وسط كالملك وهذه جنوده تؤدي إليه، أو كالمرأة المجلودة، وهذه الآلات حولها تظهر فيراها ويقدح فيها فيجدها.
(فصل) أعوذ برب العرش والكرسي من الشيطان الغوي، وخواطر السوء وهواجس النفس، ومن فتنة كل جني وإنسي، ومن رياء ونفاق وعجب وكبر وشرك وخلال السوء الناشئة في قلبي، ومن كل شهوة ولذاة مردية في المهالك نفسي، ومن البدع والضلال والأهوية المسلطة للنيران على جسمي، ومن كل قول وفعل وهمة تحجب عن القلوب العرشية قلبي، ومن اتباع الأهوية المضلة والطبائع النفسية والأخلاق الردية أعوذ بالملك الحميد المجيد من الشيطان الخبيث المريد، أعوذ بالرب الودود من نقمته إذا غفلت عن طاعته إذ هو أقرب إلي من حبل الوريد، أعوذ به من سطوته إذا غضب على أهل