للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخاطر الشيطان يأمر في الأصل بالكفر والشرك والشكوى والتهمة لله -عز وجل- في وعده، وفي الفزع بالمعاصي والتسويف بالتوبة، وما فيه هلاك النفس في الدنيا والآخرة.

فالخاطران مذمومان محكوم لهما بالسوء، وهما لعموم المؤمنين.

وخاطر الروح، وخاطر الملك: يردان بالحق والطاعة لله -عز وجل-، وما يكون عاقبته سلامة الدنيا والآخرة، وما يوافق العلم.

فهما محمودان لا يعدمهما خصوص الناس.

وأما خاطر العقل، فتارة يأمر بما تأمر به النفس والشيطان، وآخرى بما يأمر به الروح والملك، وذلك حكمة من الله وإتقان لصنعه، ليدخل العبد في الخير والشر بوجود معقول، وصحة شهود وتميز، فيكون عاقبة ذلك من الجزاء والعقاب عائدًا له وعليه، لأن الله تعالى جعل الجسم مكانًا لجريان أحكامه، ومحلًا لنفاذ مشيئته في مباني حكمته، كذلك جعل العقل مطية الخير والشر، يجري معهما في خزانة الجسم إذا كان مكانًا للتكليف وموضعًا للتصريف، وسببًا للتعريف العائد إلى لذة النعيم أو عذاب أليم.

وأما خاطر اليقين، وهو روح الإيمان ومورد العلم، فيرد من الله تعالى، ويصدر عنه.

وهو مخصوص بخواص من الأولياء الموقنين الصديقين، والشهداء والأبدال، لا يرد إلا بحق، وإن خفي وروده ودق مجيئه، ولا ينقدح إلا بعلم لدني وأخبار والغيوب وأسرار الأمور، فهو للمحبوبين والمرادين والمختارين الفانين بالله فيه عنهم، الغائبين عن ظواهرهم، الذين انقلبت عبادتهم الظاهرة إلى الباطنة، ما خلا الفرائض والسنن المؤكدات، فهؤلاء أبدًا في مراقبة بواطنهم، والله تعالى يتولى تربية ظواهرهم، كما قال -عز وجل- في كتابه العزيز: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: ١٩٦] تولاهم وكفاهم، وأشغل قلوبهم بمطالعة أسرار الغيوب، ونورها بالتجلي في كل قريب، فاصطفاهم لمحادثته، واختصهم بالأنس به، والسكون إليه، والطمأنينة لديه، فهم في كل يوم في مزيد علم ونمو ومعرفة، وتوفير نور، وقرب من محبوبهم ومعبودهم، وهم في نعيم لا نفاد له، وآلاء لا انقطاع لها، وسرور لا غاية له ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>