فمن أدب الفقير ترك السؤال للخلق ما دام يجد عنه مندوحة، فإن ألجأته الضرورة والحاجة المحقرة، فيسأل بقدر الحاجة فتكون حاجته كفارته، فحينئذ يسلم له السؤال.
وينبغي ألا يسأل لأجل نفسه ما أمكنه بل لعياله على ما قدمناه، فإن كان بيده دانق وهو محتاج إلى درهم لم يسلم له السؤال حتى يصرف الدانق ويخلو عن المعلوم جدًا كما قيل: لا يظهر من الغيب شيء مادام في الجيب شيء.
ومن شروط سؤاله للخلق ألا يراهم بل تكون إشارته إلى الله عز وجل، ويرى الخلق كالولاء والأمناء المتصرف فيهم المفعول فيهم فلا يتخذهم أربابًا من دون الله عز وجل، فيكون معنى سؤاله لهم إخبارًا أو استخبارًا، إخبارًا بحاله وعياله لا شكوى من ربه، واستخبارًا هل وقع لنا إليك شيء هل أجل عليك شيء هل أذن لك يا وكيل يا خازن، يا أمين يا مملوك يا فقير يا من أنا وهو سواء فيما في يديه المالك له غيرنا كلنا في عياله، فإذا سأل على هذا الوجه يسلم له السؤال وإلا فلا، ولا كرامة لكل مشرك دجال مراء عابد الأصنام، خارج عن أهل الطريقة مدع كذاب منافق زنديق، ثم إن أعطى شكر وإن منع صبر، هكذا تكون صفات الفقير الصادق، ولا يستوحش بالرد ولا يتغير فيسخط ويعترض ويذم الراد له فيظلمه، لأنه مأمور ووكيل، والوكيل هو الذي يتصرف فيما في يده بإذن آمره وموكله المعطى، وهو الله عز وجل، بل يرجع إليه عز وجل، فيسأله التيسير والتسهيل، ليسخر له القلوب ويذل له الصعاب، يدر له الأرزاق ويسوق إليه الأقسام، ويرفع عنه الجوع والعذاب والتبذل إلى العبيد والأرباب، ولعله قبض أيدي الخلق عنه بالعطاء ليرده إليه، فيلازم الباب ويرفع بدعائه وتضرعه الحجاب، فيكون هو المعطى له دون العباد.
* * *
[(فصل: في آداب العشرة)]
وينبغي له أن يحسن العشرة مع إخوانه، فيكون منبسط الوجه غير عبوس، ولا مخالفًا لهم فيما يريدون عنه بشرط ألا يكون فيه خرق للشرع ومجاوزة للحد وارتكاب للإثم، بل يكون مما أباحه الشرع وأذن فيه الرب، ولا يكون مماريًا ولا لجوجًا، ويكون أبدًا مساعدًا للإخوان على الشرط الذي ذركنا ومتحملاً عنهم ما يخالفونه فيه، ويكون