صبورًا على أذاهم غير حقود، لا ينطوي لأحد منهم على دخلة وغش ومكر، غير مغتاب لهم في حال غيبته، ولا يكون سيء المحضر، ويذب عن أخيه في حال غيبته، ويستر العيوب على إخوانه ما أمكنه، وإن مرض أحد منهم عادة، فإن شغله عن ذلك شاغل مضى إليه فهنأه بالعافية، وإن مرض هو ولم يعده بعض إخوانه اعتذر عنه، فإذا مرض لم يقابله بذلك، بل يعوده ويصل من قطعة، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه.
وإذا أساء أحدهم إليه اعتذر عنه عند نفسه ويرجع بالملامة على نفسه، ولا يرى ملكه ممنوعًا عن غيره من الإخوان، ولا يتحكم في ملكهم بغير إذنهم، ولا ينسى الورع في جميع حركاته وسكناته، وإن انبسط معه أحد من إخوانه في شيء من ماله أجابه إلى ذلك مسرعًا مستبشرًا فرحًا مسرورًا متقلدًا منه في ذلك منة، حيث جعله أهلاً لمباسطته معه وإنزال حاجته به، ولا يستعير من أحد شيئًا إن أمكنه، وإن استعار أجد منه شيئًا لا يسترده ما أمكنه لأنه ما استعار منه إلا لحاجته، ولا يليق بالفتوة استرداد المعار، كما لا يحسن في الشرع استرجاع الهدية والهبة، فإن لم يقدر على ذلك فليسرع إعارته، ولا يمنعه من ذلك ولو كل يوم، إذ لا يليق بحاله أن ينفرد عن أحد من الناس بما له، لأنه ليس في رق شيء من الأشياء فلا يملكه شيء، فكل من ملك شيئًا فذلك الشيء يملكه، لأن المرء عبد لمن زمامه بيده، بل يرى الأشياء التي في يده ملكًا لله عز وجل وهو وبقية الناس عبيدًا لله عز وجل، والكل متساو في ملكه عز وجل، وأما ما كان في يد الغير فيستعمل فيه حكم الشرع والورع وحفظ الحدود، لئلا يصير في زمرة المباحية الزنادقة.
وينبغي له إذا مسته محنة أو فاقة أن يستر حاله عن إخوانه ما أمكنه، لئلا يشغل قلوبهم بسببه، فيتكلفوا له، وكذلك إن مسه هم أو أصابه حزن لا يظهر ذلك لإخوانه، ولا يشوش عليهم ما هم فيه من الفرح والسرور، والراحة ولذة العيش، وإن رأى إخوانه منزولاً بهم هم وغم وقد أظهروا فرحًا وسرورًا، ساعدهم في الظاهر من إظهار النشاط والاستبشار، ويكتم عنهم ما هم فيه من الاستيحاش والحزن والهم، فلا يقابلهم بما يكرهون، ولا يختلف عنهم في شء من ذلك.
وينبغي له في أدب حسن العشرة إذا استوحش من شيء أن يتكلم في حسن الخلق،