وهو القوت من الطعام والشراب والكسوة والقدر الذي تقوم به البنية، ولا يضعف عن أداء الأوامر من الاتيان بشرائط الصلاة وأركانها وواجباتها عليه، ويترك ما هو حظها، فإن كانت قسمته إليه من غير أن يكون هو فيه بفعل الله عز وجل، فلا يتعرض للحظ أبدًا إلا أن يكون مريضًا فيوصف له شيء من الحظوظ، فيتناوله على وجه التداوي، فيصير الحظ حينئذ حقًا في حال مرضه، كالقوت في حال صحته.
وينبغي أن يكون استلذاذه بفقره أكثر من استلذاذ الغني بوجود غناه.
وينبغي له أن يؤثر ذله وخموله وعدم قبول الناس له وقصدهم إليه وازدحامهم لديه.
ومن شرطه أن يكون قلبه أقوى بصفاء الحال عند خلو يده من المال، فكلما قل الفتوح كثر طيب قلبه وقوته ونوره، وازداد فرحه بشعار الصالحين، وأما إذا أظلم ذلك قلبه وأوحشه وأسخطه على ربه، فليعلم أنه مفتون قد أحدث في فقره ذنبًا عظيمًا، فليتب إلى الله عز وجل ويستغفره، ويخلد إلى التفتيش والتنقير ولوم النفس، ومن حق الفقير أن يكون كلما كثر عياله كان قلبه في باب أمر الرزق أسكن وبربه أوثق، يتمثل أمر ربه في الكسب لهم في الظاهر، ويسكن إلى وعد ربه في الباطن، ويقطع بأن لهم رزقًا عند الله قد وعد به وقدره، وهو سائقه إليهم على يده أو يد غيره، فليتنح من الوسط ولا يكون فضوليًا، فيدخل بين الخلق وخالقهم، بل يمتثل الأمر فيهم، ولا يعترض ولا يسخط ولا يتهم الرب، ولا يشك في وعده، ولا يشكو إلى أحد، بل يكون شكواه إلى ربه وإنزال حاجته به عز وجل، وكلامه وسؤاله له عز وجل في توفيقه بالصبر وأداء الأمر في حقهم، والرضا بما قضى عليهم بإضافتهم، وإلزامه له مؤنتهم، ويسأله تسهيل رزقهم وتيسيره، فهو قريب مجيب، إنما يبتلى عبده ليرده بالبلية إليه عز وجل، لأنه يحب الملحين له بالسؤال، لأن بالسؤال يتميز الرب من المربوب والسيد من العبد والغنى من الفقير، ويخرج العبد من الكبر والاستنكاف والتعظيم والنخوة إلى التواضع والذلة والافتقار، فإن تحقق ذلك من العبد تحققت الإجابة سريعًا عاجلاً مع ما يدخر له من الثواب في العقبى.
ومن آدابه: ألا يكون له هم الوقت المستقبل، بل يكون بحكم وقته لا يتطلع للوقت الثاني، بل يحفظ الحال وحددها وشرائطها وآدابها مطرقًا غاضًا عما سواها، لا أعلى منها ولا دونها، ولا يشده إلى حال غيره، ربما كان هلاكه فيها وهي لأهلها سلامة