أعظم عند الله وأجلب لسخطه ومقته، والصغائر دونها، في الرتبة، إذ هي أقرب إلى تطرق العفو إليها، فلا يستحيل أن يتوب عن الأعظم، ثم إذا قوى الإيمان واليقين في قلبه، وظهرت أنوار الهداية وانشراح صدره للإنابة إلى الله تعالى، حينئذ تاب عن جميع الصغائر ودقائق الزلات والشرك الخفي وذنوب القلب أجمع، ومعاصي الحالات والمقامات بعد ذلك كلما رفع إلى حالة ومقام كان هناك ما يأتي وما يذر، أمر ونهى يعرفه كل ذائق لهذا الأمر، وسالك لهذه الطريق ومخالط لأهله.
فلا يأخذ الناس في أول وهلة بما هو منتهي الأمر "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ولا منفرين، إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت - أي المنقطع - لا طريقًا سلك ولا ظهرًا أبقى".
ومثل من يتوب عن بعض الكبائر دون بعض لعلمه أن بعضها أشد من البعض عند الله وأغلظ عقوبة وأبلغ، كالذي يتوب عن القتل والنهب والظلم للعباد، لعلمه أن ديون العباد لا تترك، وما بينه وما بين الله تعالى يتسارع العفو إليه.
ومثل أن يتوب عن شرب الخمر دون الزنا، لعلمه أن الخمر مفتاح الشر، فإنه إذا زال عقله ارتكب جميع المعاصي وهو لا يشعر بها من القذف والسب والكفر بالله والزنا والقتل والغصب، لأن الخمر مجمع المعاصي وأمها وأصلها.
وكمن يتوب عن صغيرة أو صغائر وهو مصر على كبيرة، مثل أن يتوب عن الغيبة أو عن النظر إلى المحرم، وهو مصر على شرب الخمر لشدة ضراوته بالخمر ولهجه بها وتعوده لها وتسويل نفسه بأنه مداو مرضه بها، وقد أمرنا باستعمال الدواء وتزيين الشيطان له ذلك وتحسينه وقوة شهوته فيها لما في شربها من السرور والفرح وذهاب الهموم وصحة الجسم على زعمهم، وذهول عن بوائقها وعاقبتها، والغفلة عن عقوبة الله له لأجلها، وفساد الدين والدنيا بها، لأنها سبب زوال العقل الذي به انتظام أمر الدين والدنيا والآخرة.
وإنما قلنا أنه تصح التوبة عن بعض هذه الذنوب دون بعض لأنه لا يخلو كل مسلم من جمع بين طاعة الله ومعصيته في الأحوال كلها، وإنما يتفاوتون في الحالات وعظم الذنوب وصغرها على قرب أحوالهم من الله وبعدها.
فإذا قال الفاسق إن قهرني الشيطان بواسطة غلبة الشهوة في بعض المعاصي، فلا