أكل بشهوتهم، ولا يحملهم على متابعة شهوة نفسه، وإذا كان في ذات يده شيء يصلح لشتائه وهو في الصيف محتاج لثمنه صرفه في وجه حاجته في الصيف، وإن وجد كفاية يومه وكان فيه فضل للكسب في يومه لكفاية غد لعياله لم يشتغل بذلك، بل يقف مع الكفاية في يومه، لأن الوقوف مع الكفايات واجب، وأخر تدبير غد إلى غد، فإن كان له قوة في التوكل وصبر على مقاساة الشدائد والقلة والجوع والضر، وتقصر قوة عياله عن ذلك، فلا يجوز له أن يدعوهم إلى حالة نفسه، بل يتحرك ويكتسب لأجلهم، وإن رأى من أهله الطاعة لله عز وجل وحسن السيرة والعبادة، فعليه بكسب الحلال وإطعامهم الحلال المباح حتى يثمر ذلك الطاعة والصلاع، ولا يطعمهم الحرام فإنه يثمر العصيان والجناح، وليجتهد في ذات نفسه بإصلاح العمل والصدق وطهارة الباطن حتى يصلح الله أمره بينه وبين عياله في حسن الصبر وحسن الطاعة له ولله عز وجل والموافقة له، وتعود بركة صلاحه على عياله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصلح ما بينه وبين الله عز وجل، أصلح الله تعالى ما بينه وبين الناس" وأهله وعياله من جملة الناس.
وإذا نزل به ضيف فيجب أن يطعم عياله مما يطعم الضيف إذا كان بذات يده سعة ومكنة فليوفر ذلك بحيث يعم الجميع ويكفيهم ويفضل عنهم، فإن كان هناك فقر وقلة وضيق يد وعلم من عياله الإيثار والرضا بذلك، فحينئذ يؤثر الضيفان، فإن فضل عنهم شيء تناولوه على وجه التبرك، فإن الله تعالى سيخلف عليهم ويوسع ما لديهم، فإن الضيف ينزل برزقه ويرحل بذنوب أهل البيت، كما جاء في الحديث.
وإذا دعا الفقير إلى دعوة وله عيال وليس له ما يصلح شأنهم فليس من الفتوة أن يضيع عياله ويمضي إلى الدعوة ويؤثر شهوته على فاقة عياله، ولا يستقيم في الطريقة والشريعة أخذ الزلة والخيبة لأجل العيال من الدعوة، فليمتنع من الحضور وليصبر مع أهله، فإن كان في صاحب الدعوة فتوة وعلم بأن للضيف عيالاً، فينبغي له ألا يفرده بالاستحضار، بل يفرغ قلب الضيف عن شغل عياله بأن يكفيه ذلك، ويحمل إليهم ما يحتاجون إليه، ويعلم ضيفه بذلك.