والغابرين والمحب والمحبوب والمريد والمراد، وعتاب المدعين لمحبته ولومهم وغير ذلك، فلما اختل صدقهم وقصدهم وظهرت دعواهم من غير بينة، وزورهم وقيامهم مع الرسم والعادة من غير غريزة باطنة وصدق السريرة والمعرفة والمكاشفة والعلوم الغريبة، والاطلاع على الأسرار والقرب والأنس، والوصول إلى المحبوب، والسماع الحقيقي وهو الحديث، والكلام الذي هو سنة الله عز وجل مع العلماء به والخواص من الأولياء والأبدال والأعيان، وخلت بواطنهم من ذلك كله، وقفوا مع القول والأبيات والأشعار التي تثير الطباع وتهيج ثائرة العشاق وبالطباع لا بالقلوب والأرواح.
فينبغي للفقير في الجملة: أعني فقير الحق عز وجل، وفقير الخلق: أعني فقير المعنى، وفقير الصورة: أعني فقيرًا من الدنيا وفقيرًا من العقبى والأكوان، ألا يتقاضى القارئ وا لقول بالتكرار والإعادة، بل يكل ذلك إلى الحق سبحانه إن شاء قبض من ينوب عنه في التقاضي، أو يلهم القوال بالتكرار إذا كان الفقير المستمع صادقًا وله في التكرار دواء ومصلحة.
ولا ينبغي للفقير أن يستعين بغيره في حال السماع، فإن سأل الفقراء منه المساعدة في الحركة فليساعدهم، وذلك ضعف في الحال، وإذا سمع الفقير آية أو بيتًا فلا يجب أن يزاحمه أحد، ويجب أن يسلم له وقته، وإن خولف فزوحم فالأولى للمزاحم له التسليم، وإذا تحرك الفقير على آية أو بيت، فيجب أن يسلم له وقته، وإن وقع للحاضرين عليه إشراف ورأوا فيه تقصيرًا أو نقصانًا فالواجب عليهم الستر عليه والحمل عنه، فإن اقتضى الوقت تنبيه فلينبه بالرفق أو بالقلب لا باللسان، وهاهنا يحتاج إلى قوة حال وصفاء باطن وعلم دقيق واطلاع وآداب كاملة ومحافظة شديدة حميدة، وإذا خرج في حال سماعه من خرقة أو من شيء من ثيابه، فلا يخلو إما أن يكون قد تخلق به مع القارئ فهو للقارئ على الخصوص أو يطرحه في الوسط فيكون حكمه إليه، فيقال له: ما الذي أدرت به؟ فإن قال: قصدت به أن يكون بحكم الفقراء كان ذلك خلقًا منه معهم فهو لهم بحكم الفتوح، وذلك إليهم يرون فيه رأيهم، وإن قال: أردت به موافقة شيخ طرح خرقته، فهذا ضعيف الحال جدًا ركيك الأمر حقًا، لأنه إنما ينبغي أن يوافق الشيخ في حكم خروجه عن خرقة من قد وافق الشيخ في وجده وحالته، وذلك بعيد جدًا أن يتفق اثنان منهم في حال، والذي جرت به العادة بين الفقراء واستمر به الرسم بينهم اليوم في المرافقة في طرح الخرقة، فليس له أصل، ثم إذا جرى منه ذلك