فوضعت فجلس عليه وجلس أصحابه، وكان الذين يلونه -عليه السلام- من أهل الكراسي الإنس ثم الجن ثم الشياطين، وكان هذا دأبه -عليه السلام- حتى إذا أراد أن يسير في البلاد يجلس هو على كرسيه وأولئك على كراسيهم، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض، وإذا أراد أن يسير على الأرض أمر الريح فتسكن فيسير على وجه الأرض.
وكان لسليمان -عليه السلام- مجلس كما هو للملوك اليوم، فلما استقر بهم المجلس أمر آصف فعاد وسجد ودعا الله -عز وجل- باسمه الأعظم وهو: يا حي يا قيوم، فإذا ببلقيس مستقرة عنده.
وقيل: إن الذي عنده علم من الكتاب هو ضبة بن آد، وكان هو على خيل سليمان.
وقيل: إن الذي عنده علم من الكتاب هو الخضر -عليه السلام-، {فلما رآه مستقرًا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني}[النمل: ٤٠] يعني ليختبرني {أأشكر} على ما أعطيت من الملك {أم أكفر}[النمل: ٤٠] بالنعمة إذا رأيت من هو دوني أفضل مني علمًا، فعزم لله -عز وجل- على الشكر وقال:{ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر}[النمل: ٤٠] بنعمته {فإن ربي غني كريم}[النمل: ٤٠] لا يعجل بالعقوبة.
فلما سمعت الجن بذلك وقعوا في بلقيس عند سليمان ليكرهوها إليه، خافوا أن يتزوجها فتظهره على أمورهم وكانت تعلم بذلك، لأن أمها جنية، وكان اسمها عميرة بنت عمرو، وقيل: إن اسمها رواحة بنت السكن ملك الجن، فقالوا: أصلح الله الملك إن في عقلها شيئًا ورجلاها كحافر الحمار وكانت بلقيس هلباء شعراء، فلما قيل له ذلك أراد أن يروز عقلها ويرى قدميها، فمن ثمة أجرى الماء وجعل فيه الضفادع والسمك، وأمر بعرشها أن يغير فيزاد فيه، وينقص منه ليروز عقلها فذلك قوله تعالى:{قال نكروا لها عرشها}[النمل: ٤١] يعني غيروا لها سريرها {ننظر أتهتدي}[النمل: ٤١] يعني أتعرفه {أم تكون من الذين لا يهتدون}[النمل: ٤١] يعني الذين لا يعرفون، فأقبلت حتى انتهت إلى الصرح فـ {قيل لها ادخلي الصرح}[النمل: ٤٤] يعني القصر، وقيل الصرح: هو البيت بلغة حمير {فلما رأته حسبته لجة}[النمل: ٤٤] يعني ماء غمرًا، فقالت في نفسها إنما أراد أن يغرقني كان غير هذا أحسن من ذا؟ {وكشفت عن ساقيها}[النمل: ٤٤] فإذا ساقان شعراوان، وإنما هي من أحسن الناس وأبعد مما قيل له فيها، فقيل