بذلك عن قيد الطبع وحكمه، ويحصل في قيد الشرع ورقه، ثم ينقله من الرخص إلى العزيمة شيئًا بعد شيء، فيمحو خصلة من الرخص، ويثبت مكانها خصلة من العزيمة، فإن وجد في ابتداء أمره فيه صدق المجاهدة والعزيمة وتفرس فيه ذلك بنور الله عز وجل ومكاشفته، وعلم من قبل الله عز وجل على ما قد مضت سنة الله في عباده المؤمنين من الأولياء والأحباب الأمناء العلماء به، فحينئذ لا يسامحه في شيء من ذلك، بل يأخذه بالأشد من الرياضيات التي يعلم أنه لا تتقاصر قوة إرادته عنها، إذ ثبت عنده أنه مخلوق لذلك وجدير به، وهو من شأنه فلا يخونه في التهوين عليه.
ولا ينبغي له أن يرتفق من المريد بحال لا بالانتفاع بماله ولا بخدمته، ولا يأمل من الله عز وجل عوضًا في تأديبه، ولا شيئًا، بل يؤدبه ويربيه موافقة لله عز وجل أداء لأمره وقبولاً لهديته وطرفته، فإن المريد الذي جاء من غير تخيير من الشيخ ولا استجلاب، بل قدر محض بإرشاد الله تعالى له وهدايته وإنقاذه إليه، فإنه هدية من الله، فعليه قبوله والإحسان إليه بحسن تأديبه وتربيته، فلا يرتفق به ولا بماله إلا بأمر من الله تعالى، وخير في استعماله وقبول ما يأتي به من ماله الذي قد جعل الله تعالى صلاح المريد ونجاته به، وقسم للشيخ فيه، فحينئذ لا سبيل إلى الإعراض عنه ورده.
ويحذر جدًا أن يختار من المريد من يقع له، بل ينتظر في ذلك فعل الله وقدره، فمن جاء الله تعالى به من غير تكلف منه وتخيير قبله ورباه، فحينئذ يوفق في تربيته ويسرع فلاح المريد ونجحه، فليحذر أن يكون هو فيه فيعدم التوفيق والحفظ في حق المريد.
وعليه أن يربيه بهمته وينوب عنه في سره إذا وجد منه خللاً أو فترة.
وعليه أن يحفظ سر المريدين فلا يطلع غير على ما يحصل له من الإشراف على أحواله، إما بطريق علم لدني من مواهب الله عز وجل، أو بإفشاء المريد له، واستكتامه إياه، فلا ينبغي له أن يفشيه لغيره، لأنه أمانة عنده وقد قيل: صدور الأحرار قبول الأسرار، فينبغي له أن يكون مستراحًا للمريدين، وخزانة لهم وحرزًا لأسرارهم، وملجأ لهم وكهفًا ومشجعًا ومقويًا ومعينًا لهم، ومثبتًا لهم في الطريق، ولا ينفرهم عن الطريق ومصاحبتهم والقصد إلى الله عز وجل.
وإذا رأى شيئًا مما يكره في الشرع من المريد وعظه في السر وأدبه، ونهاه عن المعاودة