وإن ربه الذي خاف منه هو ربي، فينبغي أن يكون خوفي أشد من خوفه، فتابت إلى الله وغلقت الباب على الناس ولبست ثيابًا خلقًا وأقبلت على العبادة، فكانت في عبادتها ما شاء الله تعالى، فقالت في نفسها: إني لو انتهيت إلى ذلك الرجل لعله يتزوجني، فأكون عنده وأتعلم منه أمر ديني ويكون عونًا لي علي عبادة ربي، فتجهزت وحملت من الأموال والخدم ما شاء الله، وانتهت إلى تلك القرية وسألت عنه، فأخبروا العابد أنه قدمت امرأة تسأل عنك، فخرج العابد إليها، فلما رأته المرأة كشفت عن وجهها لكي يعرفها، فلما رآها العابد وعرف وجهها وتذكر الأمر الذي كان بينه وبينها صاح صيحة فخرجت روحه.
فبقيت المرأة حزينة وقالت في نفسها: إني خرجت لأجله وقد مات فهل له أحد من أقربائه يحتاج إلى امرأة، فقالوا لها: له أخ صالح لكنه معسر لا مال له، فقالت: لا بأس به، فإن لي مالًا يكفينا، فجاء أخوه فتزوج بها، فولدت له سبعًا من البنين (كلهم صاروا أنبياء في بني إسرائيل).
فانظر إلى بركة الصدق والطاعة وحسن النية كيف هدى الله زاذان بعبد الله بن مسعود لما كان صادقًا حسن السريرة فلا يصلح بك الفاسد حتى تكون أنت صالحًا في ذات نفسك، خائفًا لربك إذا خلوت، مخلصًا له إذا خالطت، غير مراء للخلق في حركاتك وسكناتك، موحدًا لله عز وجل في ذلك كله، فحينئذ يزاد في توفيقك وتسديد وتحفظ عن الهوى والإغواء من شياطين الجن والإنس والمنكرات كلها والفساق والبدع والضلالات أجمع، فزال بك المنكر من غير تكلف، ومن غير أن يصير المعروف منكرًا، كما هو في زماننا، ينكر أحدهم منكرًا واحدًا فيتفرع منه منكرات جمة وفاسد عظيم من السب والقذف والضرب والكسر وتخريق الثياب وإفساد الأموال، وكل ذلك لقلة صدقهم ونقصان إيمانهم ويقينهم وغلبة أهويتهم عليهم. فالمنكر فيهم بعد وفرض إزالته متوجه عليهم وبأنفسهم شغل طويل وهم ينكرون على الغير فيتركون الفرض العين ويتعلقون بالفرض على الكفاية، ويتركون ما يعنيهم ويشتغلون بما لا يعنيهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
من أراد أن يزول به المنكر بسرعة، فعليه بالإنكار على نفسه والوعظ لها، ومنعها