قالوا: كان عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وأيش قال؟ قالوا: قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة القرآن كان أحسن، فدخلت الهيبة قلبه، فقام فضرب بالعود على الأرض فكسره، ثم أسرع حتى أدركه وجعل المنديل في عنق نفسه وجعل يبكى بين يدي عبد لله فاعتنقه عبد الله وجعل يبكي كل واحد منهما، ثم قال عبد الله -رضي الله عنه-: كيف لا أحب من قد أحبه الله؟ فتاب من ضربه بالعود، وجعل يلازم عبد الله حتى تعلم القرآن وأخذ الحظ الوافر من العلم حتى صار إمامًا في العلم، وقد جاء في كثير من الأخبار روي زاذان عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وروي زاذان عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه-.
وفي الإسرائيليات مروى أنه كانت امرأة بغية مغنية مفتنة للناس بجمالها، وكان باب دارها أبدًا مفتوحًا وهي قاعدة على السرير بحذاء الباب فكل من مر بها ونظر إليها افتتن بها واحتاج إلى عشرة دنانير أو أكثر من ذلك حتى تأذن له بالدخول عليها، فمر على بابها ذات يوم عابد من عباد بني إسرائيل فوقع بصره عليها في الدار وهي قاعدة على السرير فافتتن بها وجهل يجادل نفسه حتى أنه يدعو الله تعالى أن يزول ذلك عن قلبه، فلم يزل ذلك عن نفسه، ولم يملك نفسه حتى باع قماشًا كان له، فجمع من الدنانير ما يحتاج إليه، فجاء إلى بابها فأمرته أن يسلم الذهب إلى وكيل لها وواعدته لمجيئه، فجاء إليها لذلك الوعد وقد تزينت وجلست في بيتها على سريرها، فدخل عليها العابد وجلس معها على السرير، فلما مد يديه إليها وانبسط معها، تداركه الله برحمته ببركة عبادته المتقدمة، فوقع في قلبه أن الله تعالى يراني في هذه الحالة من فوق عرشه، وأنا في الحرام وقد حبط عملي كله، فوقعت الهيبة في قلبه، فارتعد في نفسه، وتغير لونه، فنظرت إليه المرأة فرأته متغير اللون، فقالت له: أيش أصابك يا رجل؟ فقال: إني أخاف الله ربي، فأذني لي بالخروج، فقالت له: ويحك إن كثيرًا من الناس يتمنون الذي وجدته فأيش هذا الذي أنت فيه؟ فقال: إني أخاف الله جل ثناؤه وإن المال الذي دفعته إلى وكيلك هو لك حلال، فأذني لي بالخروج، فقالت له: كأنك لم تعمل هذا العمل قط؟ قال: لا، فقالت له: من أين أنت وما اسمك؟ فأخبرها أنه من قرية كذا واسمه كذا، فأذنت له بالخروج من عندها، فخرج وهو يدعو بالويل والثبور ويبكي على نفسه، فوقعت الهيبة في قلب المرأة ببركة ذلك العابد، فقالت في نفسها: إن هذا الرجل أو ذنب أذنب فدخل عليه من الخوف ما دخل، وإني قد أذنبت منذ كذا وكذا سنة،