حتى شبعوا وهم خمسة آلاف رجل، وقيل إنهم كانوا ألف رجل وثمانمائة رجل وامرأة من بين فقير وجائع وبين من له فاقة إلى رغيف واحد، فصدروا كلهم شباعًا يحمدون ربهم، وإذا ما عليها كهيئته، ورفعت السفرة إلى السماء وهم ينظرون، قال فاستغنى كل فقير أكل منها يومئذ فلم يزل غنيًا حتى مات، وبرئ كل زمن وشفى كل مريض.
وقال مقاتل: فنادى عيسى -عليه السلام -: أكلتم؟ قالوا: نعم، قال: فلا ترفعوا، قالوا: لا نرفع ورفعوا، فبلغ كل ما رفعوا من الفضل أربعة وعشرين مكتلاً، فآمنوا عند ذلك بعيسى -عليه السلام -وصدقوا به ثم رجعوا إلى قومهم اليهود، يعني بني إسرائيل ومعهم فضل المائدة، فلم يزل بهم قومهم حتى ارتدوا عن الإسلام، وكفروا بالله تعالى، وجحدوا بنزول المائدة، فمسخهم الله -عز وجل -وهم نيام خنازير ذكور، وليس فيهم صبى ولا امرأة.
وقيل في ذلك إشارة: مائدة وضع عليها طعام محدود، صدر عنها الجم الغفير والجمع الكثير وهي بحالها، فكيف بمائدة الرضا وبساط الرحمة التي لا حد لها ولا نهاية.
ففي الخبر "إن لله -عز وجل -مائة رحمة، واحدة أنزلها إلى خلقه فبها يتراحمون وبها يتعاطفون، وأخر تسعة تسعين عنده يرحم بها عباده يوم القيامة".
وفي خبر آخر "أن يوم القيامة يبسط الجليل جل جلاله بساط المجد يدخل ذنوب الأولين والآخرين في حواشيه ويبقى البساط فارغًا حتى يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه".
ومع ذلك لا ينبغي لكل عاقل لبيب أن يتكل على ذلك ويغتر به، ولا يغلبه الرجاء فيهلك، بل يبذل مجهوده ويستفرغ وسعه في أداء الأوامر وانتهاء النواهي وتسليم الأمور والقدر إلى الله -عز وجل -، ويكثر من الاستغفار والتوبة، ويكون أبدًا على حذر، لا خوف مؤيس من رحمة الله، ولا رجاء يوقع في ارتكاب المحارم وإهمال الأوامر، بل يبتغى بين ذلك سبيلاً، كما قيل: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا، فليكن خوفه ورجاؤه كجناحي الطائر، والطائر لا يطير بجناح واحد.
وأما العيد الرابع: فهو عيد أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -وقد ذكرنا ما يتعلق به أول المجلس.