ولا يبغ الغرض من الملك ولا المقصود منه، ولكل داخل دهشة لابد له من مذكر ومنه، ومن يأخذ بيده فيقعده موضع مثله، أو يشير إليه بذلك لئلا تتطرق إليه المهانة، ولا يشار إليه بسوء الأدب والحماقة، وليتحقق بأن الله عز وجل أجرى العادة بأن يكون في الأرض شيخ ومريد صاحب ومصحوب، تابع ومتبوع من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة.
ألا ترى إلى آدم عليه السلام لما خلقه الله تعالى علمه الأسماء كلها، وافتتح الأمر به، فجعله كالتلميذ مع الأستاذ، والمريد مع الشيخ، وقال له: يا آدم هذا فرس وهذا بغل وهذا حمار، حتى علمه قصعة وقصيعة، ثم لما فرغ من تعليمه وتهذيبه جعله أستاذًا معلمًا شيخًا حكيمًا، وكساه بأنواع الحلل والحلى، وتوجه منطقة وأجلسه على كرسي في اللجنة، وأقام الملائكة حوله صفوفًا فقال:{يا آدم أنبئهم بأسمائهم}[البقرة: ٣٣] بعد أن ظهر عجزهم وعدم علمهم بذلك، وقولهم:{سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}[البقرة:٣٢] فصارت الملائكة تلاميذ لآدم وآدم شيخهم، فأنبأهم بأسماء الأشياء كلها على ما شهد به القرآن، فظهر فضله عليه السلام عليهم، فصار أفضلهم وأعلمهم وأشرفهم عند الله وعندهم، فصار متبوعهم وهم تابعون مقتدون صلوات الله عليهم.
فلما جرى ما جرى من أكل الشجرة والخروج من الجنة، والانتقال إلى حالة أخرى ومنزل غيره، لم يعط علمه ولم يستوطنه بعد، ولا جرى ذلك في خلده، ولا ظن أنه سيسار به إليه، فلما وصل إلى المنزل وجال في الأرض، استوحش منها ورأى فيها ما لم يكن رآه من قبل، فألقى عليه الجوع والعطش والحرقة والقبض ما لم يعهده من قبل، احتاج إلى معلم ومرشد وأستاذ ودليل ومؤدب ومنبه، فبعث الله تعالى جبريل عليه السلام فآنسه، وعرفه ما أشكل عليه من أمر المنزل، وأعطاه الحنطة فأمره فبذرها ثم أمره فحصدها، ثم أمره فذراها، فطحنها وهيأ له أسبابها، ثم أمره بالخبز فخبز، ثم أمره بالأكل فأكل، ثم لما طلب الطعام الخروج من المعدة تحير ولم يعلم بالصنع احتاج إلى معلم أيضًا، فعلمه كيف يتغوط وكيف يتطهر، وكيف يعبد الله تعالى في المنزل، وعلمه كيف يتوصل إلى بياض جسده الذي قد حال لونه من البياض والإشراق إلى السواد والظلمة، فأمره بصيام أيام البيض من الشهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر، فعاد لونه إلى البياض، وعلمه غير ذلك من العلوم والآداب، فصار آدم عليه السلام تلميذًا لجبريل، وجبريل عليه السلام أستاذه وشيخه، بعد أن كان آدم شيخه والملائكة أجمع ومتبوعهم، وأعلمهم كل ذلك لتغير الحال به، والانتقال من منزل إلى آخر، ثم هلم