جرًا، تعلم شيث بن آدم من أبيه آدم، ثم أولاده منه، وكذلك نوح النبي عليه السلام علم أولاده، وإبراهيم عليه السلام علم أولاده، قال الله تعالى:{ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب}[البقرة: ١٣٢] أي أمرهم وعلمهم، وكذلك موسى وهارون عليهما السلام علما أولادهما وبني إسرائيل، وعيسى عليه السلام علم الحواريين، ثم إن جبريل عليه السلام علم نبينا -صلى الله عليه وسلم- الوضوء والصلاة ووصاه بالسواك وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وصاني جبريل بالسواك حتى كاد أن يفرضه، وصلى بي جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حتى زالت الشمس .... " الحديث إلى آخره وقد تقدم ذكره ثم تعلمت الصحابة رضي الله عنهم منه -صلى الله عليه وسلم- ثم التابعون منهم، ثم تابعو التابعين منهم قرنًا بعد قرن وعصرًا بعد عصر، فما من نبي إلا وله صاحب يهتدي بهداه ويقفو أثره وينتحل مذهبه ويهدى هديه، ثم يخلفه مكانه ويقوم مقامه، كموسى بن عمران وغلامه وابن أخته يوشع بن نون عليهم السلام، والحواريون مع عيسى عليه السلام، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك عثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم، وما زالت الأولياء والصديقون والأبدال كذلك من بين أستاذ وتلميذ كالحسن البصري وتلميذه عتبه الغلام وسرى السقطي وغلامه وابن أخته أبي القاسم الجنيد وغيرهم مما يطول شرحه.
فالمشايخ هم الطريق إلى الله عز وجل والأدلاء عليه والباب الذي يدخل منه عليه، فلابد لكل مريد لله عز وجل من شيخ على ما بينا، إلا على النذور والشذوذ، فيجوز أن يصطفى الله عبدًا من عباده، فيتولى تربيته وحراسته عن الشيطان وهنات النفس والهوى، كإبراهيم النبي ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهما، وأويس القرني من الأولياء وغيرهم رحمهم الله فلا ينكر، إلا أنا بينا ما هو الأغلب والأكثر والأسلم والأحسن.
فلا ينبغي له أن ينقطع عن الشيخ حتى يستغنى عنه بالوصول إلى ربه عز وجل، فيتولى تبارك وتعالى تربيته وتهذيبه، ويوقفه على معاني أشياء خفيت على الشيخ، ويستعمله مما يشاء من الأعمال ويأمره وينهاه ويبسطه ويقبضه ويغنيه ويفقره ويلقنه ويطلعه على أقسامه وما سيؤول أمره إليه، فيستغنى بربه عن غيره، بل لا يتفرغ لغيره