ومخالفة هذا الأمر، وثباته وبقاءه وعبادته وقربته ومرضاة ربه ودنوه منه وزيادة محبة ربه له في طلبها وامتثال أمره فيها، فكيف تضره الكرامة حينئذ غير أن يكون ذلك بينه وبين ربه عز وجل ولا يظهره لأحد من العوام إلا أن يغلب ليه ظهوره، لأن من شرط الولاية كتمان الكرامات، ومن شروط النبوة والرسالة إظهار المعجزات، ليقع بذلك الفرق بين النبوة والولاية.
ولا ينبغي أن يعرج في أوطان التقصير، ولا يخالط المقصرين والبطالين أبناء قيل وقال، أعداء الأعمال والتكاليف، المدعين للإسلام والإيمان، الذين قال الله عز وجل في حقهم:{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}[الصف: ٢ - ٣] وقال في أختها: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}[البقرة:٤٤].
وينبغي له ألا يظن ببذل الميسور، ولا يبخل بالموجود خوفًا ألا ينال مثله للإفطار والسحور، ويقطع في نفسه وبقلبه علمًا بأن الله لم يخلق وليًا له في سالف الدهور بخيلاً ببذل الميسور.
وينبغي له أن يرضى بالذل الدائم وحرمان النصيب، والجوع الدائم والخمول، وذم الناس له، وتقديم أضرابه وأشكاله وأقرانه عليه في الإكرام والعطاء، والتقريب عند الشيوخ ومجالس العلماء، فيجوع هو والجماعة يشبعون، والكل أعزاء، ونصيبه الذل، ومن لم يرض بهذا ويوطن نفسه عليه فلا يكاد أن يفلح ويجيء منه شيء، فالنجاح الكلي والفلاح فيما ذكرنا.
وينبغي له ألا ينتظر من الله مطلوبًا سوى المغرفة لما سلف من الذنوب، والعصمة فيما يأتي من الدهور، والتوفيق لما يحبه من الطاعات، ويوصله إليه من القربات، والرضا عنه في الحركات والسكنات والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخول في مرة الأحباب ذوي العقول والألباب، الذي عقلوا من رب الأرباب، واطلعوا على العبر والآيات، فصفت حينئذ القلوب والضمائر والنيات، فهذا الذي ذكرته صفة المريد، وما لم يتجرد قلبه عن جميع الطلبات والمآرب، وينتفي عن غيرها ما ذكرنا من الحوائج والمطالب، لا يكون مريدًا على نعت الاستحقاق.