كانت تعبد الملائكة، فلما بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- خاتمة النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا شيخًا كبيرًا، فرفع ملء كفه من التراب إلى جبهته فسجد عليه، فقال: نحني كما تحني أم أيمن وصواحباتها، وكان أيمن خادم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقتل يوم حنين.
فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك، وهما من سجع الشيطان وفتنته ألقاهما على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند آخر ذكر الطواغيت والأصنام.
فعجب الفريقان كلاهما من سجودهم أجمعين، واتباعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين، وأما المشركون فطابت أنفسهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، لما سمعوا منه ما ألقى الشيطان في أمنيته واستبشروا وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فسجدوا تعظيمًا لآلهتهم، ففشت الكلمتان في الناس بإظهار الشيطان حتى بلغتنا الحبشة، فكبر ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أمسى أتاه جبريل -عليه السلام- وقال: معاذ الله من هاتين الكلمتين ما أنزلهما ربي -عز وجل- ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شق عليه وقال: أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه، وأشركته في أمر الله -عز وجل-، فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأنزل عليه:{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}[الحج: ٥٢] يعني في تلاوته وقراءته {فينسخ الله ما يلقي الشطيان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}[الحج: ٥٢].
فلما برأ الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- من سجع الشيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم، ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة فأنزل الله -عز وجل- {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}[النجل: ٩٨].
قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يعني احترز بالله من الشيطان الرجيم: أي إبليس اللعين، يعني المرجوم باللعنة، يقال: ليس شيء قط أغيظ على إبليس اللعين من التعوذ بالله منه {إنه ليس له سلطان}[النحل: ٩٩] يعني ملكًا {على الذين آمنوا}[النحل: ٩٩] في علم الله في الشرك فيضلهم عن الهدى {وعلى ربهم يتوكلون}[النحل: ٩٩] يعني بالله يثقون {إنما سلطانه}[النحل: ١٠٠] يعني ملكه {على الذين يتولونه}[النحل: ١٠٠] يعني إبليس