وقيل: إن الله لما لعن إبليس، خلق منه زوجته الشيطانة من ضلعه الأيسر، كما خلقت حواء من آدم -عليه السلام-، فغشيها فحملت منه إحدى وثلاثين بيضة، فصارت أصلًا لذريته، فتفرعت الذرية عنها، فطبقت البر والبحر حتى قيل: فقصت كل بيضة عشرة آلاف ذكر وأنثى، يعني تفرعت منها، فسكنوا الجبال والجزائر والخرابات والفلوات والبحار والرمال والأدغال والآجام والعيون ومجامع الطرق والحمامات والكنف والمزابل والهواء ومعارك الحروب والنواقيس والقبور والدور والقصور وخيام الأعراب وجميع البقاع قال تعالى:{أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلًا}[الكهف: ٥٠].
فويل لمن استبدل بعبادة الله -عز وجل- طاعة الشيطان وذريته، لا جرم أنه معهم في النار خالدًا فيها إن لم يتب ولم يتذكر فينتبه لنفسه ويسعى في فكاكها وخلاصها، فيفارق قرناء السوء والأعمال الخبيثة، ودعاة الضلال وجنود الشيطان، فيرجع إلى الله، ويلزم طاعته، ويجالس العلماء من عباده، والعارفين به العاملين له الداعين إليه الراغبين فيه، والراجين لفضله الخائفين لسطوته، الراهبين من أخذته الزاهدين في الدنيا، الراغبين في العقبى، القائمين في الليل، والصائمين في النهار، الباكين على ما فات من أيام البطالات، العازمين على الخيرات فيما يأتي من الساعات، التائبين من جميع الذنوب والخطيئات، المتوكلين على خالق الأرض والسموات، الواثقين برب الخليقة والبريات في اللحظات والساعات، القانتين في آناء الليل وأطراف النهار، أولئك آمنون من السلاسل والأغلال وآفات الدنيا وأهوال النيران، لأنهم خالفوا طاعة الشيطان، وأطاعوا الرحمن في السر والإعلان، فقابلهم الديان، وجازاهم المنان بما أخبر في قوله البيان:{فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا}[الإنسان: ١١ - ١٢]، وقوله تعالى:{إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عن مليك مقتدر}[القمر: ٥٤ - ٥٥]، وقال تعالى:{ولمن خاف مقام ربه جنتان}[الرحمن: ٤٦].
وقد ذكر الله -عز وجل- في كتابه هذا العبد المفتون بعد تقواه بقوله تعالى:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}[الأعراف: ٢٠١].
فأخبر -عز وجل- أن جلاء القلوب بذكر الله وبه يزول عنها الغطاء والظلمة والرين والغفلة، وبه تنكشف الكروب، فالذكر مفتاح التقوى والورع، والتقوى باب الآخرة،