والجنة مائة درجة، وإنما وصف منها ثلاث درجات الذهب والفضة والنور، ثم من وراء ذلك غير معقول، ولا تحمله العقول.
وكذلك ما في الدنيا من الشدة والعذاب فهو أنموذج دار العقاب، ثم من وراء ذلك ما لا تحمله العقول من ألوان العذاب، كل ذلك يخرج لهم من غضبه ولأهل الجنة من رحمته.
فكل من تناول من عبيده من دنياه ما أبيح له وشكره عليها أبدل له من الجنة ما يدق هذا في جنبه، ومن تناول ما لم يبح له فقد حرم نفسه حظها من الدرجات، ومن كذب بها حرم الجنة بما فيها أجمع.
فلأهل الجنة عرائس وولائم وضيافات، فالعرائس للدعوة، وذلك أن رب العزة سبحانه دعاهم إلى دار السلام ليجدد لهم أبدانًا طرية وأعمارًا أبدية، والولائم للأزواج والضيافات للزيارة، ولأهل الجنة تلاق وزيارات فيما بينهم، ومتحدث في مواطن الألفة، ومجتمع في ظل طوبي يلقون الرسل هناك ويزورونهم ومجالس الملائكة فيما بينهم سلام الله عليهم أجمعين.
وأسواق يأتونها يتخيرون الصور، وهدايا من الرحمن في أوقات الصلوات، يغدى ويراح عليهم من ألوان الأطعمة والأشربة والفواكه بكرة وعشيًا، أرزاقهم دارة لا مقطوعة ولا ممنوعة، ومزيد من الله يومًا بيوم، فإذا أتاهم المزيد نسوا ما قبله، ثم لهم منتزه يخرجون إليه في رياض على شاطئ نهر الكوثر، عليه خيام الدر مضروبة، والخيمة ستون ميلًا في عرض مثله، من لؤلؤة واحدة ليس لها باب، فيها جواز عبقات، لم ينظر إليهن ملك ولا أحد من أهل الجنة من الخدام والحور، وهو قوله عز وجل:{فيهن خيرات حسان}[الرحمن: ٧٠].
وإذا قال الله لهن {حسان} فمن يقدر أن يصف حسنهن، ثم قال الله تعالى:{حور مقصورات في الخيام}[الرحمن: ٧٢].
فتلك خيرة الرحمن اختار صورهن الحسان من بين الصور، أبدعن من سحائب الرحمة، فإذا أمطرت أمطرت جواري حسانًا على مشيئة الكريم، نور وجوههن من نور العرش، فضربت عليهن خيام الدر فلم يرهن أحد منذ خلقن، فهن مقصورات في الخيام قد قصرن - أي حبس - على أزواجهن من جميع الخلق.