الحور العين إلا غنت بأغانيها والطير بألحانها، فيوحي الله عز وجل إلى الملائكة أن جاوبوهم، وأسمعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصوات روحانية، فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة.
ثم يقول الله تعالى: قم يا داود عن ساق عرشي فمجدني، فيندفع داود في تمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويحليها، وتتضاعف اللذة وأهل الخيام على تلك الرفارف تهوى بهم، وقد حفت بهم أفانيس اللذات والأغاني، فذلك قوله عز وجل:{فهم في روضة يحبرون}[الروم: ١٥]- قال يحيى بن كثير رحمه الله: الروضة: اللذة والسماع -.
فبينما هم على لذاتهم وسرورهم إذ يفتح لهم باب الملك القدوس من جنة عدن، فارتجت أصوات صفوف الروحانيين من باب جنة عدن بتماجيد الماجد الكريم إلى درجات الجنان، وثارت ريح عدنية بألوان الطيب والروح والنسيم وهو نسيم القربة، وسطع على أثر ذلك نور فأشرقت منه رياضهم وخيامهم وشواطئ أنهارهم، وامتلأ كل شيء منهم نورًا، ثم ناداهم الجليل جل جلاله من فوق رؤوسهم: السلام عليكم أحبائي وأوليائي وأصفيائي يا أهل الجنة كيف وجدتم منتزهكم، هذا يومكم بدل نيروز أعدائي، طلبوا يومًا من الدنيا ليجددوا على أنفسهم النعمة التي قد كدروها على أنفسهم لخبثهم وشقائهم، فلم ينالوا ما طلبوا من اللذة، وخسروا في جنب ما طلبوا في العاجل، ولم يتصبروا حتى ينالوا هذا الذي أعددت في الأجل لأهل طاعتي، فأعرضتم عما إليه أقبلوا، وأمتنعتم مما فيه تنافس أهل الدنيا، فاليوم يذوقون وبال ما تنافسوا فيه وشيكًا ما انقطع به ما طلبوا من اللذة والنهمة في دار الفناء، وصاروا إلى الذل والهوان، وجزيتم بما صبرتم جنة وحريرًا، ومنتزهًا وسلامًا، وهذا يوم نيروزكم ومنتزهكم، وهذا يوم زيارتكم في داري في جنة عدن، وطالما رأيتكم في أيام الدنيا في مثل ذلك اليوم مشتغلين بعبادتي وطاعتي، والمترفون في لهوهم ولبسهم سكارى حيارى عصاة متمردين، يتنعمون بحطام الدنيا، ويفرحون بتداولها بينهم، وأنتم تراقبون جلالي، وتحفظون حدودي وترعون عهدي وتشفقون على حقوقي.
ويفتح لهم باب من أبواب النيران فيفور لهبها ودخانها وصراخ أهلها وعويلهم، لينظر أهل الجنان من هذه المجالس إلى ما من الله عليهم، فيزدادون غبطة وسرورًا.
وينظر أهل النار من تلك السجون والمحابس في تلك الأغلال والقيود فيتحسرون