هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: ٤٣].
فقرت أعينهم بما تزودوا من دنياهم، كانوا موقنين مؤمنين مصدقين خائفين راجين راغبين، فعند ذلك نجا الناجون وهلك الكافرون.
وأما الذين أوتوا كتابهم بشمالهم ومن وراء ظهورهم فاسودت وجوههم وانقلبت زرقًا عيونهم، ووسموا على خراطيمهم وعظمت أجسادهم، وغلظت جلودهم وهتفوا بويلهم حين نظروا إلى كتابهم، وعاينوا ذنوبهم، لم يغادروا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوها مثبتة في كتابهم، فهم
كاسف بالهم سيء ظنهم شديد رعبهم كثير همهم، منكسة رؤوسهم خاشعة أبصارهم خاضعة رقابهم، يسارقون النظر إلى نارهم، لا يرتد إليهم طرفهم، لأنهم عاينوا أمرًا عظيمًا كبيرًا مفظعًا جليلًا طامًا مكربًا مفزعًا مرعبًا محزنًا مخسئًا مهمًا للقلوب وللعيون مبكيًا، فأقروا بالعبودية لربهم واعترفوا بذنوبهم وكان اعترافهم عليهم نارًا وعارًا وتحزنًا وشقاء وإلزامًا وسخطًا.
قال: فبينما القوم بين يدي ربهم عز وجل جاثون على ركبهم بذنوبهم معترفون، زرقًا أعينهم لا يبصرون، هاوية قلوبهم فلا يعقلون، مرجفة أوصالهم فلا يتكلمون، منقطعة أرحامهم فلا يتواصلون {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}[المؤمنون: ١٠١].
أصيبوا في أنفسهم فلا ينجبرون، ويسألون الرجعة فلا يجابون، قد أيقنوا بما كانوا يكذبون، فهم عطاش لا يروون، وجياع لا يشبعون، وعراة لا يكتسون، مغلوبون لا ينصرون، محزنون مسلوبون، مخسورون أنفسهم وأهليهم وأموالهم ومكاسبهم.
قال: فبينما القوم كذلك إذ أمر الله تعالى خزنة جهنم أن يخرجوا منها ومعهم أعوانهم، وأن يحملوا آداتهم من السلاسل والأغلال والمقامع، قال: فخرجوا منها على ناحية ينتظرون بماذا يؤمرون.
قال: فلما نظر إليهم الأشقياء وعاينوا وثاقهم وثيابهم عضوا أيديهم، فأكلوا أناملهم وهتفوا بويلهم وفاضت دموعهم وزلزلت أقدامهم ويئسوا من كل خير، فيقول خذوهم فغلوهم ثم الجحيم صلوهم ثم في سلسلة فأوثقوهم.
قال: فمن شاء الله أن يلقيه في تلك الأطباق دعا خزانها، فقال لهم خذوهم، فابتدر إلى كل إنسان منهم سبعون ملكًا، فشددوا وثاقهم وجعلوا الأغلال الثقال في أعناقهم والسلاسل في مناخرهم، فخنقوا وجمعوا بين نواصيهم وأقدامهم من وراء ظهورهم،