قال: ثم تنصرف بهم الملائكة إلى مساكنهم، فزلت عند ذلك أقدامهم ودحضت حجتهم ونظروا ما عند ربهم عز وجل، ويئسوا من رحمة ربهم وتلقاهم الكرب الشديد ونزل بهم الخزي والهوان الطويل، فهتفوا بحسرتهم على ما فرطوا في دنياهم، وحملوا أوزارهم على رقابهم وأوزار أتباعهم، من غير أن ينقص شيء من أوزارهم وعذابهم أكثر من تراب أرضهم وقطر بحورهم مع زبانية سريع أمرهم غليظ كلامهم عظيمة أجسادهم كالبرق، وجوههم كالجمر، أعينهم كاللهب، ألوانهم كالحة، أنيابهم كصياصي البقر أظفارهم، يعنى القرون، والمقامع الطوال الثقال المحرقة بأيديهم لو ضربوا بها الجبال انصدعت، وكانت رميمًا، يضربون بها عصاه ربهم فيحق لهم أن تسيل عينهم الدم بعد الدموع، لأنهم إن دعوهم لم يجيبوهم، وإن بكوا لم يرحموهم، وإن استغاثوا بماء بارد لم يغيثوهم إلا بماء كالمهل يشوى الوجوه.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إنه لتأتى أهل النار سحابة عظيمة كل يوم فتبسط عليهم لها صواعق تخطف أبصارهم، ورعد يقصف ظهورهم، وظلمة لا يبصرون معها زبانيتهم، فتنادى تلك السحابة بصوت له جهر: يا أهل النار أما تريدون أن أمطركم؟ فيقولون بأجمعهم: امطرينا الماء البارد، فتمطرهم ساعة حجارة تقع على رؤوسهم فتقطع جماجمهم، ثم تمطرهم ساعة أخرى أنهارًا من حميم وجمرًا كثيرًا وشواظًا وخطاطيف من الحديد، ثم تمطرهم ساعة أخرى حيات وعقارب ودودًا وغسلين.
قال: فإذا أمطرت في جهنم سجر بحرها فماجت لججها وغضبت، فلم تترك في جهنم سهلًا ولا جبلًا إلا ارتفعت عليه، فغرقت أهل النار أجمعين من غير أن يموتوا.
قال: فتزداد جهنم على من فيها من العصاة غيظًا وحرًا وزفيرًا وشهيقًا ولهبًا ودخانًا وظلمة ووعثًا وسمومًا وحميمًا وجحيمًا وسعيرًا وشدة على من فيها لنقمة ربها".
فنعوذ بالله منها ومن أعمالها ومقارنة أهلها، اللهم ربنا وربها لا توردنا حياضها، ولا تجعل في أعناقها أغلالها، ولا تكسنا من ثيابها، ولا تطعمنا من زقومها، ولا تسقنا من حميمها، ولا تسلط علينا خزنتها، ولا تجعلنا مأكلة لنارهم، ولكن جوزنا برحمتك صراطها واصرف عنا شرورها ولهبها حتى تنجينا برحمتك منها ومن دخانها ومن كربها وعذابها، آمين يا رب العالمين.