ربك، فمن ثم لم يقل إسحاق لإبراهيم افعل ما رأيت في المنام، ورأى ذلك إبراهيم -عليه السلام -ثلاث لبال متتابعات، وكان إسحاق صام وصلى قبل الذبح فقال:{ستجدنى إن شاء الله من الصابرين}[الصافات: ١٠٢] على الذبح {فلما أسلما}[الصافات: ١٠٣] يقول: أسلما لأمر الله تعالى وطاعته {وتله للجبين}[الصافات: ١٠٣] يقول كبه على جبهته، فلما أذخ بناصيته ليذبحه لله، علم الله منهما الصدق، وقال الله -عز وجل -: {وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا}[الصافات: ١٠٤ - ١٠٥] في ذبح ابنك، فخذ الكبش واذبحه فداء عن ولدك، قال الله -عز وجل -: {وفديناه بذبح عظيم}[الصافات: ١٠٧] واسم الكبش زرير، وكان من الوعول يرعى في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح.
وقيل: إنه هو الكبش الذي قربه هابيل بن آدم المقتول شهيدًا -عليه السلام -، وكان يرعى في الجنة قد فدى به إسحاق النبي -عليه السلام -من الذبح، قال الله -عز وجل -: {إنا كذلك نجزى المحسنين}[الصافات: ١٠٥] يعنى هكذا نجزى كل محسن، فجزاه الله خيرًا بإحسانه بطاعته لأمر الله تعالى في الذبح لابنه إسحاق.
وقيل: إن المأمور بذبحه إنما هو إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام -، ثم قال الله -عز وجل -: {إن هذا لهو البلاء المبين}[الصافات: ١٠٦] يعني النعيم المبين حين عفا عنه وفداه بالكبش.
وقيل: إنه لما وضع الخليل -عليه السلام السكين على حقل ولده نودي:{أن يا إبراهيم}[الصافات: ١٠٤] خل ولدك، فإن مرادنا لم يكن قربانًا للولد، وإنما كان مرادنا خلو القلب عن محبة الولد، ولهذا قيل: إنه ذكر في بعض الكتب أن إبراهيم -عليه السلام -لما أراد أن يذبح ولده قال في سره: يا رب، أيش لو كان هذا الذبح على يدي غيري، قال الله تعالى: لا يكون إلا على يدك، فقالت الملائكة: يا ربنا لم فعلت هكذا؟ قال: حتى يزيد بلاء على بلاء، فقالت الملائكة: لم؟ قال: حتى لا يحب أحدًا غيري، فإني لا أقبل الشريك في الحب، فإبراهيم -عليه السلام -أحب ولده فابتلى بذبحه، ويعقوب أحب يوسف فغاب عنه أربعين سنة وابتلى بفراقه، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -أحب الحسن والحسين -رضي الله عنهما -وعلقا بقلبه، فجاء جبريل -عليه السلام -وأخبره بأن أحدهما يسم والآخر يقتل حتى لا يحب مع الحبيب سواه.