وفي حديث عمران بن الحصين -رضي الله عنهما-: "شهدت الفتح مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان لا يصلي إلا ركعتين، ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا فإنا قوم سفر".
وأقام -صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يومًا يقصر، وكذلك الصحابة -رضي الله عنهم-.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أقام أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برامهرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة.
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين.
وإن أحرم بالصلاة وهو مقيم ثم صار مسافرًا بأن كان بمركب إلى جنب بلده في حدودها داخلًا من حيطانها وسورها، ثم دفع الملاح المركب فخرج من حدودها لزمه الإتمام.
وكذلك لو أحرم في السفر ثم أقام ببلد أو ائتم بمقيم أو بمن يشك هل هو مقيم أو مسافر، ولم ينو القصر عند شروعه فيها لزمه الإتمام في جميع ذلك.
ولا يجوز القصر إذا كان قاضيًا للصلاة لأنها قد ثبتت في ذمته كاملة، ولا يؤثر السفر إلا في الأداء خاصة.
وإذا أحرم بنية القصر ثم نوى الإقامة أتم، وكذلك إن أحرم وهو مقيم ثم نوى السفر أتم، وكذلك إن كان سفره معصية أو لعبًا ونزهة لا يستبيح رخص السفر، ولا يستبيح ذلك إلا إذا سافر لواجب كالحج والجهاد، أو مباح كتجارة أو طلب غريم وما شاكله، وإذا أبحنا للعاصي رخص السفر فقد أعناه على معصية ربه، وعلى قتل نفسه فإن هلاكه بمعصية ربه وبقاءه وصلاحه بطاعته، فلا نقويه على ذلك، ولا نعينه، بل نمنعه ونكسره.
والقصر عند إمامنا أحمد رحمه الله أفضل من الإتمام، وله الإتمام والقصر كما له الصيام والفطر، وترك التجلد على الله عز وجل في جميع ذلك واتباع رخصه ورفقه أولى.
ولو لم يكن في إتمامه للصلاة وصيامه في السفر غير رؤيته للنفس وعجبه وماهاته وتعظيمه ذلك، وفي قصره وإفطاره من ذل النفس وانكسارها وخضوعها لترك تمام العبادة والعزيمة، لكان بالحرى أن يقال: إن القصر والفطر أولى، كيف وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له في قصر الصلاة: "ما لنا نقصر وقد أمنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: تلك صدقة تصدق الله بها