وقال آخرون: المريد: المبتدى، والمراد: المنتهى، المريد: الذي نصب بعين التعب وألقى في مقاساة المشاق، والمراد: الذي لقى الأمر من غير مشقة، المريد: متعب، والمراد: مرفوق به مرفه، فالأغلب في حق القاصدين المبتدئين في سنة الله تعالى ما قد تم وجرى من توفيق الله تعالى للمجاهدات، ثم إيصالهم إليه وحط الأثقال عنهم، والتخفيف عنهم في كثير من النوافل وترك الشهوات، والاقتصار على القيام بالفرائض والسنن من جميع العبادات، وحفظ القلوب ومحافظة الحدود والمقام، والانقطاع عما سوى الحق عز وجل بالقلوب، فيكون ظواهرهم مع خلق الله تعالى، وبواطنهم مع الله عز وجل، ألسنتهم بحكم الله، وقلوبهم بعلم الله، فألسنتهم لنصح عباد الله، وأسرارهم لحفظ ودائع الله، فعليهم سلام الله وتحياته وبركاته ورحمته وتحيته مادامت أرضه وسماؤه، وقام العباد بطاعته وحقه، وحفظ حدوده.
وسئل الجنيد رحمه الله عن المريد والمراد، فقال: المريد: تتولاه سياسة العلم، والمراد: تتولاه رعاية الحق، لأن المريد يسير، والمراد يطير، فمتى يلحق السائر الطائر؟
وينكشف ذلك بموسى ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان موسى عليه السلام مريدًا، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- مرادًا، انتهى سير موسى عليه السلام إلى جبل طور سيناء، وطيران نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى العرش واللوح المسطور.
فالمريد طالب، والمراد مطلوب، عبادة المريد مجاهدة، وعبادة المراد موهبة، المريد موجود، والمراد فان، المريد يعمل للعوض، والمراد لا يرى العمل بل يرى التوفيق والمنن، المريد يعمل في سلوك السبيل، والمراد قائم على مجمع كل سبيل، المريد ينظر بنور الله والمراد ينظر بالله، المريد قائم بأمر الله، والمراد قائم بفعل الله، المريد يخالف هواه، والمراد يتبرأ من إرادته ومناه، المريد يتقرب، والمراد يقرب به، والمريد يحمي، والمراد يدلل وينعم ويغذي ويشهي، المريد محفوظ، والمراد يحفظ به المريد في الترقى، والمراد قد أوصل وبلغ إلى الرب الذي هو المرقى، ونال عنده كل طريف ونفيس ولطيف، ونقى، فجاز على كل طائع عابد متقرب بار تقي.