للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشيء المشترك بينهم وبين غيرهم؛ فإنه أغنى من كل غني، وأغير من كل غيور، فلا يقبل إلا ما كان خالصاً مخلصاً ليس لأحد فيهم سهم أو نصيب. (١)

*الفائدة الثانية: قوله تعالى: " تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ":

قد دل حديث الباب على حرمة الرياء، والرياء مأخوذٌ من: الرؤية، وذلك بأن يزيِّن المرء العمل ويُحَسِّنه من أجل أن يراه النّاس ويمدحوه ويُثنوا عليه، أو لغير ذلك من المقاصد، فهذا يسمّى رياءً، لأنه يقصد رؤية النّاس له.

والرياء شرك كما ورد في حديث الباب.

وكذا فقد قال شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

... «كُنَّا نَعُدُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرِّيَاءَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ». (٢)

وقول الصاحب: " كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفعل كذا... ، هو من الموقوف الذي له حكم الرفع.

وقد سمَّى الله -تعالى- الرياء شركاً؛ وذلك لأنَّ فاعلَ الطاعة قد قصد بها الله تعالى، وأراد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس، فالمرائي عَبَدَ اللهَ -تعالى- لا غيرَه، لكنَّه خَلَطَ عبادتَه بطلب المنزلة في قلوب الناس، فلم يقبل له عبادة وسمَّاها شركاً.

قال سليمان بن عبد الله:

لما كان المرائي قاصداً بعمله الله - تعالى - وغيره، كان قد جعل الله - تعالى- شريكاً، فإذا كان كذلك، فالله - تعالى- هو الغني على الإطلاق، والشركاء بل جميع الخلق فقراء إليه بكل اعتبار، فلا يليق بكرمه وغناه التام أن يقبل العمل الذي جعل له فيه شريك؛ فإن كماله تبارك وتعالى وكرمه وغناه يوجب أن لا يقبل ذلك. (٣)

*ونذكر من أدلة هذا الباب:

قول الله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ


(١) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (٢/ ٥٩٥)
(٢) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٦٨٤٢) والحاكم (٧٩٣٧) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، انظر صحيح الترغيب والترهيب (ح/٣٥)، والصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (٢/ ٢٣٦)
(٣) تيسير العزيز الحميد (ص/٩١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>