للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*نكتة اعتزالية:

قال الزمخشري:

وقوله تعالى {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْكَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}

فلم يفرّق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان، وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيراً، ليعلم أنَّ قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) جمع بين قرينتين، لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى، حتى يفوز صاحبهما ويسعد، وإلا فالشقوة والهلاك. (١)

* والجواب:

أن الزمخشري يروم الاستدلال على صحة عقيدته في أن الكافر، وهو المراد في قوله تعالى {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}، والعاصي وهو المراد في قوله تعالى {أو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}

كلاهما سواءٌ في الحكم بالخلود في النار؛ إذ سوَّى بينهما في عدم الانتفاع بما يستدركانه بعد ظهور الآيات.

* وهنا يقال:

أنه لا يتم له ذلك؛ فإنَّ هذا الكلام اشتمل على النوع المعروف من علم البيان والبلاغة باللف.

وأصل الكلام:

" يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفساً لم تكن مؤمنة قبل ذلك إيمانها بعد ذلك، ولا ينفع نفساً كانت مؤمنة لكن لم تعمل في إيمانها عملاً صالحاً قبل ذلك ما تعمله من العمل الصالح بعد ذلك، إلا أنه لفُّ الكلامين فجعلهما كلاماً واحداً بلاغة واختصاراً وإعجازاً.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ ويستكبر فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا) (النساء: ١٧٢)

* لذا نقول:

لا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير، وإنْ نفع الايمان المتقدِّم في السلامة من الخلود، فهذا بأن يدل على رد الاعتزال أجدر من أن يدل له. (٢)

والحاصل:

أن هذه الأية ليست دليلاً للمعتزلة على خلود صاحب الكبيرة في النار، بل غاية ما فيها الإخبار عن الختم على عمل كلِّ أحد بالحالة التي هو عليها.


(١) الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٨٠)
(٢) وانظر فتح الباري (١١/ ٤٩٧) والانتصاف فيما تضمنه الكشَّاف (٢/ ٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>