للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور. (١)

* وهنا سؤال:

قد دل حديث الباب على أن مقادير الخلائق قد فرغ منها، فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف، لكن قد يشكل على هذا ما قد ورد فى أدلة أخري يعارض ظاهرها هذا الأمر، مثل قوله تعالى:

{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد/ ٣٩]، وكذلك ما ورد فى حديث ابْنِ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا خَلَقَ آدَمَ، مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ، فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا يَزْهَرُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَمْ عُمْرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ عَامًا، قَالَ: رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ..... (٢)، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». (٣)

* وجواب ذلك أن يقال:

أن كل ما هو كائن إلى يوم القيامة قد قدَّره الله -تعالى - وكتبه في اللوح المحفوظ، وهذا الذى سطِّر فى اللوح المحفوظ لا يبدل، ولا يغير، ولا يمحى، وإنما الذي يقبل التغيير والمحو والإثبات، هو ما في صحف الملائكة، كما قال عزوجل (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) {الرعد: ٣٩}.

والمعنى:

أن الذى فى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ لا محو فيه ولا تغيير، وهو من الغيب المطلق الذى لا يطلع عليه ملك مقرَّب ولا نبي مرسل، وأما الذى يسطَّر فى صحف الملائكة فهذا الذى قال تعالى عنه (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)، وكل ما يقع في هذه الصحف من التغيير والإثبات فهو مكتوب في اللوح المحفوظ تفصيله، ونهايته.

*فالحاصل أن القضاء نوعان:


(١) لمعة الاعتقاد (ص/٢٣)
(٢) أخرجه أحمد (٢٢٧٠) والترمذى (٣٣٦٨)، وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وانظر صحيح الجامع (٥٢٠٨)
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>