للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك الحدسَ والتخمين، مثل: قراءة الكَفّ والفنجان، أو رسم الخَطّ على الرِّمال.

وأما الكاهن فهو الذي يستطلع الأمور الغيبية من الغيب النِّسْبيّ؛ وذلك عن طريق مُسْتَرِقِي السمع

من الجِنّ الذين يأتون الكُهّانَ بالأخبار.

- قال الخطابي:

"الكاهن إنما يَتَعاطى الخبرَ عن الكوائن في مستقبَل الزمان، ويدّعي معرفة الأسرار، والعَرّاف هو الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق، ومكان الضّالّة، ونحوهما من الأمور". (١)

... الفائدة الثانية: قصة الْكُهَّان:

كان الكُهَّان منتشرينَ في جزيرة العرب قبل البعثة النبوية، وكان لكلِ كاهنٍ رَئِيٌّ من الجن يأتيه بالخبر من السماء، وقد ذكرَ الله -تعالى- عن الجن قولهم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: ٨ - ٩]، فإذا ما أوحى الله -تعالى- لملائكته الأمرَ من الوحي صَعِدَ الجنُّ ليَسْتَرِقُوا أخبارَ السماء؛ فتُرسَلُ عليهم الشُّهُبُ لتُحرقهم، فمن لم تُصِبْه الشهبُ ألقى إلى الكاهن الكلمةَ من الصِّدْقِ، فيَزيد عليها الكاهنُ مئة كَذْبةٍ، كما قال -عز وجل-: {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٣]، فالجن يُلقون إلى الكَهَنة ما يسمعون من الملائكة عند استراق السمع، {وَأَكْثَرُهُمْ} أي: الكهنة {كَاذِبُونَ}؛ لأنهم كانوا يَخْلِطون ما يستمعون بِكذبٍ كثيرٍ. (٢)

وقد ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ». (٣)

** قال شيخ الإسلام ابن تَيميةَ:

"قد عَلِم الخاصّةُ والعامّة بالتجرِبة والتواتُر أنَّ


(١) وانظر معالم السنن (٣/ ١٠٤) والنهاية في غريب الحديث والأثر (٤/ ٢١٥).
(٢) فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين المقدسي (٥/ ١٠٧).
(٣) أخرجه البخاري (٦٢١٣) ومسلم (٢٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>