للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحكام التي يحكُم بها المنجِّمون يكون الكذب فيها أضعاف الصدق، والمنجِّمون قد خاطبتُهم بدِمشق، وحضرَ عندي رؤساؤهم، وبيَّنتُ فسادَ صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعترفون بصحتها، وقال رئيسٌ منهم: واللهِ إنّا نَكذب مئة كَذْبةٍ حتى نصدق في كلمة". (١)

قال القُرطُبيّ:

"كان الجن يَقعُدون مَقاعِدَ لاستماع أخبار السماء، وهُمْ المَرَدةُ من الجن؛ كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يُلقوها إلى الكَهَنة، فحرسَها الله بالشهب المُحْرِقة، فقالت الجن حينَئذٍ: {... فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: ٩] ". (٢)

- وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: ١٦ - ١٨].


(١) مجموع الفتاوى (٣٥/ ١٧٢).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٩/ ١٢)
*فائدة:
من الجن من استرق السمع في بدء بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخبر الكهانَ بخبر البعثة النبوية، وقد ورد في قصة إسلام الصحابي سَواد بن قارِب الدَّوْسِيّ -رضي الله عنه- الذي كان كاهناً في الجاهلية أن سبب إسلامه أن تابعه من الجن أخبره ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودعاه إلى اتّباعه، وذلك في قصة طويلة قصَّها على عمرَ رضي الله عنه- في خلافته، حيث قال: "كنت كاهناً في الجاهليّة، فبَيْنا أنا نائم إذ أتاني نَجِيِّي فضربَني برجله، ثم قال: يا سواد بن قارب، اسمعْ أقُلْ لك. قلتُ: هاتِ، قال:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وأَرْجاسِها... وَرَحْلِها الْعِيسَ بِأَحْلاسِها
تَهْوِي إلى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى... ما مُؤْمِنُوها مِثْلَ أنجاسها
فارْحَلْ إلى الصّفوة من هاشم... واسم بعينيك إلى رأسها
قال سواد -رضي الله عنه-: فَأَصْبَحْتُ فَاقْتَعَدْتُ بَعِيراً لِي حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا رَسولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ظَهَرَ، قَالَ: فَأَخبَرْتُه الْخَبَرَ وَبَايَعْتُهُ".
قال ابن حجر: وأصل هذه القصّة في صحيح البخاريّ من طريق سالم عن أبيه. وانظر الإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ١٨٣) وتجريد أسماء الصحابة (١/ ٢٤٨) والوافي بالوَفَيات (١٦/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>