للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحق العباد على الله -عزوجل- إنما يحصل لأنه سبحانه أصدق قيلاً، وأحق من وفَّى بوعده، قال تعالى (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: ١١١).

*فرع:

وقد تمسَّك المعتزلة بظاهر حديث الباب فيما ذهبوا إليه من القول بمسألة " الواجب على الله "؛ فبناءً على قولهم بالحسن والقبح العقليين فقد أوجبوا على الله تعالى أموراً، بدعوى أن عدم تقديرها سيكون مخلاً بالحكمة والعدل والصلاح؛ فيكون لازماً لاقتضاء الحكمة إياه.

وهم يرون وجوب ما حكم العقل بحسنه على الله تعالى، وأن تركه نقص يتنزَّه الله عنه. (١)

وفى ذلك يقول القاضي عبدالجبار:

"وأما علوم العدل؛ فهو أن يعلم أن أفعال الله- تعالى- كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يخل بما هو واجب عليه، وأنه لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه ". (٢)

* وعلى الجانب الآخر:

يرى الأشاعرة في مسألة الوجوب في حق الله تعالى:

أن الله - تعالى - لا يجب عليه شيء؛ ويمنعون وجوب شيء في حقه تعالى عقلاً؛ لأنه المالك على الإطلاق، وله التصرف في ملكه كيف يشاء، واتفقوا على بطلان التحسين والتقبيح العقليين، فلا حكم للأفعال قبل الشرع بالحسن أو القبح. (٣)


(١) وأول من اشتهر عنه البحث في هذه المسألة الجهم بن صفوان، فهو الذي وضع قاعدته المشهورة: "إيجاب المعارف بالعقل قبل ورود الشرع"، ثم أخذ المعتزلة بهذا القول ووافقهم عليه الكرَّامية.
وانظر بغية الطالب (ص/٣٢٥) والملل والنحل (١/ ٨٨) وأبكار الأفكار (١/ ٥٨١)
(٢) وانظر شرح الأصول الخمسة (ص/١٣٢)، وهذا ما أشار إليه الزمخشري في تفسيره لقوله تعالى
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، حيث قال: فلم قُدِّمت العبادةُ على الاستعانة؟
قلت:
لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة؛ ليستوجبوا الإجابة إليها. وانظر الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٥)
* وكذلك يقول الزمخشري في تفسيره لقول الله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء/١٠٠)
قال: والمعنى: قد علم الله كيف يثيبه، وذلك واجب عليه. " الكشَّاف " (١/ ٥٥٨)
وكم من مواضع في تفسير " الكشَّاف" مما يقال فيها هى " نار تحت الرماد "، فظاهرها الرحمة، ومن باطنها العذاب.
(٣) وانظر شرح السنوسية الكبرى (ص/٣٤٤) ونهاية الإقدام (ص/٤٤٥) والأربعين في أصول الدين (٢/ ٣٥٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>