ما الحكمة من نصب الموازين، مع كونه عزوجل وسع علمه أعمال العباد ومآلاتهم؟
* والجواب على ذلك من وجوه:
١ - الأول:
ظهور سنة الابتلاء في باب الغيبيات، فيعلم من يؤمن بالميزان، رغم كونه لم يره، ممن هو منه في شك. فقد سقط في هذا الاختبار فئام من العقلانيين والمتكلمين الذين اتخذوا منهج التعطيل والتحريف سبيلاً دون التسليم والإثبات، فبئس للظالمين بدلاً.
٢ - الثاني:
أن يزداد المرء يقيناً أن الله -تعالى- لم يظلمه شيئاً، وذلك حين يبصر الإنسان أعماله التى أقر بها توضع في كفَّة الميزان، وهذا المعنى هو ما سطرَّه قوله تعالى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)) (الأنبياء: ٤٧)
قال الطبري:
فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله -تعالى- عن الميزان، وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه وِجْهَته، وقال: أوَ بالله -تعالى-حاجة إلى وزن الأشياء، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده؟
قيل له:
وزن ذلك نظيرُ إثباته إياه في أمِّ الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب، من غير حاجة به إليه، ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله:(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) [سورة الجاثية: ٢٨ - ٢٩] الآية.
فكذلك وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان، حجة عليهم ولهم، إما بالتقصير في طاعته والتضييع، وإما بالتكميل والتتميم. (١)