للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية، ولا اضطرَّه إلى ترك طاعةٍ؛ قال الله -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقال الله -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقال سبحانه: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ {[غافر: ١٧]؛ فدلَّ ذلك على أن للعبد فعلاً وكسباً، يُجزَى على حَسَنِه بالثواب، وعلى سَيِّئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره. (١)

* ثالثاً: قول الأَشاعرة:

وهؤلاء أيضاً ممن خالفوا أهل السنة في هذا الباب، حيث قالوا بما يُعرف بنَظَرِيّة (الكَسْب)، وقالوا: إن العبد فاعلٌ بالاختيار، وهو يَفعلُ حقيقةً بقدرةٍ، لكنّ قدرته غيرُ مؤثِّرة.

فوافقَ الأشاعرةُ أهلَ السنة في إثبات خلْق اللهِ أفعالَ العباد الاختياريةَ والاضطراريةَ، إلّا أنهم نسبوا فعل الإنسان الاختياريَّ إليه كَسْباً لا خَلْقاً، وعرّفوا الكسْب -كما قال شارح [أُمّ البَراهين] (ص ٤٥) -: "الكسْب: مقارَنةُ القدرةِ الحادثةِ للفعل مِن غيرِ تأثيرٍ".

فبذلك أرادوا الفرار من قول الجبرية، فقالوا بالكسب، وهو إثبات اختيار وقدرة حادثة للعبد.


(١) شرح لُمعة الاعتقاد (صـ: ٩٣ - ٩٤).
** سؤال:
مع اجتماع الشر في الجبرية والقدرية، أيُّهما أكثرُ شرّاً؟
الجواب: الأكثر شراً وضلالاً هم الجبرية. قال شيخ الإسلام: =
="من أثبتَ القدر واحتج به على إبطال الأمر والنهي فهو شر ممن أثبت الأمر والنهي ولم يُثبت القدر، وهذا متفقٌ عليه بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل، بل بين جميع الخلق، فإنّ مَن احتج بالقدر وشهود الربوبية العامة لجميع المخلوقات ولم يفرِّق بين المأمور والمحظور والمؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية- لم يؤمن بأحد من الرسل ولا بشيء من الكتب، وكان عنده آدم وإبليس سواءً، ونوحٌ وقومه سواءً، وموسى وفرعون سواءً، والسابقون الأولون وكفار مكة سواءً! وهذا الضلال قد كثر في كثير من أهل التصوف والزهد".
*وقال -رحمه الله-: "ومعلوم عند كل من يؤمن بالله ورسوله أن المعتزلة والشيعة والقدرية المثبتينَ للأمر والنهي والوعد والوعيد- خيرٌ ممن يسوِّي بين المؤمن والكافر والبَر والفاجر والنبيِّ الصادق والمتنبِّي الكاذب وأولياءِ الله وأعدائه، بل هم أحقُّ من المعتزلة بالذم". مجموع الفتاوى (٨/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>