للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*والجواب:

قال النووي:

"إنْ قيل: فالعاصي منا لو قال: هذه المعصية قدَّرَها الله عليَّ، لم يَسقُطْ عنه اللوم والعقوبة بذلك، وإن كان صادقاً فيما قاله؛ فالجواب: أن هذا العاصي باقٍ في دار التكليف، جارٍ

عليه أحكام المكلَّفينَ من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومه وعقوبته زجرٌ له ولغيره عن مِثل هذا الفعل، وهو مُحتاجٌ إلى الزجر ما لم يمُتْ". (١)

... قال ابن العثيمين:

"أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله، ولكن ليس ذلك حُجَّةً للعاصي على فعل المعصية؛ وذلك لأدلة كثيرة، منها:

(١) أن الله أضاف عمل العبد إليه، وجعلَه كسباً له، فقال سبحانه: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: ١٧]، ولو لم يكن له اختيارٌ في الفعل وقدرةٌ عليه ما نُسِبَ إليه.

(٢) أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلِّفْه إلا ما يستطيعُ؛ لقوله -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، ولو كان مُجبَراً على العمل لَما كان مستطيعاً الفعلَ أو الكَفَّ؛ لأن المُجبَر لا يستطيع التخلُّص.

(٣) أن كل واحد يعلَم الفرق بين العمل الاختياري والعمل الإجباري، وأنّ الأول يستطيع التخلُّص منه.

(٤) أن العاصي قبلَ أن يُقْدِمَ على المعصية لا يدري ما قُدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك؛ فكيف يسلك الطريق الخطأ ويَحتجُّ بالقدَر المجهول؟ أليس مِن الأَحْرَى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قُدِّر لي؟!

(٥) أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطْع الحُجَّة، قال سبحانه: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، ولو كان القدر حُجَّة للعاصي لَما انقطعتْ بإرسال الرسل؛ ونعلم أن الله -سبحانه وتعالى- ما أمرَ


(١) وانظر المنهاج للنووي (ـ ٨/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>