للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَلَ إلى مَرْحَلَة (اليقين)؛ مستدِلِّينَ بقوله - تَعالَى -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩].

وكلامُهم هذا بَيِّنُ البُطْلانِ، وإلّا فَلَوِ استَوَتِ الطاعةُ والمعصيةُ في حقِّ آدمَ -عليه السلام- فلِمَ أخرجَهُ ربُّه من الجنة، وقال عنه: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١]، ولِمَ قال له ولزوجه: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}؟! (١)

* بَيْنَ التحريفِ والمُغالاةِ:

كما أنّ المعتزلة القدرية من أصحاب التحريف قد سَلَكوا مَسْلَكَ ردِّ حديث الباب، وذلك لأنهم يَنْفُونَ القَدَرَ، تأتي على الجانب الآخَرِ فِرْقةُ (الجَبْرِيّة) ...

فتراهم يَطيرون فَرَحاً بحديث الباب؛ فَهْماً منهم أنّ الحجة كانت لآدم

-عَلَيْهِ السَّلامُ-، ليس لأنه احتجَّ بالقدر على المصيبة -كما عليه أهلُ السنة-، بل لأنّ آدم -عليه السلام- احتج بالقدر على المعصية؛ وذلك لأنهم يقولون: إن الإنسان مجبور على أفعاله، فلا إرادةَ له فيها، ولا مشيئة!

* ففي الرد عليهم نقولُ:

أولاً:

إن آدم -عليه السلام- فعلَ ما فعلَ بإرادته، نعمْ، كان الأمرُ بقدر الله، ولكنْ كان لآدم -عليه السلام- إرادةٌ ومشيئةٌ، والدليل في روايةٍ عند مسلم، وفيها: «قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلاً كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ؟»؛ فثَبَتَ بذلكَ الأمرانِ:

أ) كتابة القدر.

ب) الإرادة والمشيئة لآدمَ عليه السلام.

* قال ابنُ المُلَقّنِ:

"وأمّا قولُ الجَهْميّة: إنّ الله - تَعالَى - أجبرَ العباد على أفعالهم، وهم مكرَهون على الطاعة والمعصية، واحتجّوا بقول آدمَ: «أتلومُني...» إلى آخره- فلا


(١) وانظر لهذه الأوجُهِ: الفُرْقانُ بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص/١٣٥)، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (١/ ١٤)، ورفع الشبهة والغَرَر عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدر لمرعي الحنبليّ (١/ ٢٩).
وقد قال ابن عبد البَرِّ -رحمه الله- وهو يُشيرُ مِن بَعيدٍ إلى هذه الأوجه الباطلة التي تَذَرَّعَ بها أهلُ البدع لردِّ حديث الباب: "... وأمّا أهلُ البدع فيُنكرونه، ويَدفعونه، ويعترضون فيه بدُروبٍ من القول، كَرِهْتُ ذِكْرَ ذلك لأنّ كِتابَنا هذا كِتابُ سُنّةٍ واتّباعٍ، لا كتابُ جِدالٍ وابتداعٍ". وانظر: الاستذكار (٨/ ٢٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>