الأول: إن قيل: وما الحكمة من طلوع الشمس من مغربها؟
فيقال في الجواب:
أن طلوع الشمس من مغربها آية تعم الكل، وتدل على الصانع المقلِّب للأشياء، ولقد زعم الملحدون وأهل النجوم أن ذلك لا يكون، فيبيِّن بذلك كذبهم، ويظهر القدرة على ما طلبه الخليل من النمرود بقوله:{فأتِ بها منْ المغَربِ}[البقرة: ٢٥٨]
فيطلعها الله - تعالى- يوماً من المغرب ليُرِي المنكرين قدرته، وأن الشمس في ملكه، إن شاء أطلعها من المشرق، وإن شاء أطلعها من المغرب. (١)
*الثاني:
لماذ يغلق باب التوبة بطلوع الشمس من مغربها؟
* والجواب من وجوه:
-الأول:
أن من شاهد طلوع الشمس من المغرب لا تقبل توبته إن كان مذنباً، ولا يقبل إيمانه إن كان كافرًا؛ لأن الإيمان والتوبة بالغيب مقبول، وأمَّا بالمشاهدة فغير مقبول، فإن جميع الأمم التي أُهلكت بالعذاب؛ كقوم ثمودَ وصالح ولُوط وغيرِهم آمنوا حين رأَوا عذابَ الله تعالى، فلم يُقبل إيمانهم، وكذلك فقد آمن فرعونُ حين أدركه الغَرق، ولكن لم يقبل إيمانه، بل أجيب بقوله تعالى:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١]
- الثاني:
أنه لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه
(١) وانظرالجامع لأحكام القرآن (٧/ ٩٦) وكشف المشكل من حديث الصحيحين (٣/ ٤٧٦)