للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فرع:

مسألة العذر بالجهل ليست على إطلاقها، فليس كلُّ جاهلٍ معذوراً بجهله، بل المسألة تختلف بحسب حال الجاهل، وحال المجهول:

أ) بحسب حال الجاهل:

فالشخص الذي نشأ في باديةٍ ليس فيها عِلمٌ منتشر، أو كان حديثَ عهدٍ بالإسلام كأصحاب حديث الباب، أو قد يكون سعى في طلب العلم فجانَبَهُ الصَّوابُ؛ فهذا الشخص يكون معذوراً بجهله، بخلاف شخصٍ آخرَ فرَّطَ في العلم الشرعي، أو يأتيه الدليلُ فيُعانِدُ ويُجادلُ فيه أو يُعْرِضُ عنه؛ كقوله تعالى: {... وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: ٣]؛ فالحُكم في هَذَيْنِ مختلفٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تَيميةَ:

" وهذا العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصَّر فيها لم يكن معذوراً. (١)

ب) بحسب حال المجهول:

وهي القضية التي وقع فيها الجهل، فمعنى قولنا "بحسب المجهول": أننا نفرِّق بين قضية خَفِيةٍ وقضية ظاهرة؛ فإنّ وُقوع الجهل -مثلاً- في قضية خفية، أو في قضية هي محلُّ نزاعٍ بين العلماء أو قضيةٍ تحتاج إلى إمْعانِ النَّظَر، فقال المخالِف قولاً من الكفر فليس هذا كمَنْ كفرَ بمسألة هي معلومةٌ من الدِّين بالضَّرورة.

قال النووى:

فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئاً مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه منتشراً، كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى والخمر ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام.


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>