للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ». (١)

فدل الحديث أنّ سعي الجن لاستراق السمع ورمْيَهم بالشهب لم ينقطع بالبعثة النبوية.

٣ - الفائدة الثالثة: إتيان الكُهَّان والعَرّافينَ:

نقول: الأصل العام الذي ورد في هذا الباب هو النهي عن إتيان الكهّان.

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُمُوراً كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ». (٢)

وهذا النهي الأصل فيه التحريم، فهؤلاء الكهان -فيما عُلم بشهادة الامتحان- قومٌ لهم أذهان حادّة، ونفوس شِرِّيرة، وطَبائعُ ناريّة، فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم، ويستفتونهم في الحوادث، فيلقون إليهم الكلمات. ويختلف الحكم في ذلك بحسب حال من أتى العرَّافين والكَهَنة، وذلك على حالات:

١) الحالة الأولى:

أن يأتى رجلٌ الكاهنَ ليكشف كذبه وتدليسه وتزييفه؛ فهذا أمر مستحب من باب قوله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...} [آل عمران: ١١٠]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى منكم منكراً فلْيغيِّره...»، فهذه الحالة مستحبة، بل قد تكون واجبة إذا ما انتشر فساد الكهان والعرّافين في بلدٍ ما، فأمَّهم الناسُ من كل مكان، فصاروا فتنة في بلاد المسلمين.

** ومما يدل على مشروعية ذلك-مع الأدلة العامة-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أتى ابن صيَّاد ليبيِّن كذبه وتدليسه، وقد سبق قريباً رواية الحديث.

** وكذلك كان يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مناقشته ومناظرته للبطائحية، والرفاعية، وغيرهم، وقال لهم لما دخلوا في النار، وزعموا أن أجسادهم لا تحترق


(١) أخرجه مسلم (٢٢٢٩).
(٢) أخرجه مسلم (٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>