للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

** فالجواب من وجوه:

١) الأول: إنه -تعالى- إنما يعذبهم على ما أحدثوه من ذنوب وكان بمشيئتهم وقدرتهم، وكونُه -تعالى- خالقاً أفعالَهم لا يمنع أن تكون أفعالهم مضافةً إليهم على الحقيقة؛ فلا تعارُض بين الأمرينِ إلا عند مَن ضاق أُفقُهُ.

٢) الثاني:

إنّ ما يُبتلَى به العبد من الذنوب، وإنْ كانت خَلقاً لله -تعالى- فهي عقوبة للعبد على ذنوبٍ قبلها، و {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١]، فالذنب يُكسب الذنب، ومِن عقاب السيئة: السيئةُ بعدها، فالذنوب يُورِث بعضُها بعضاً، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦].

ثانياً: الجبرية:

الجَبْرِيَّة: هم أتباع الجَهْم بن صَفوانَ، ويرجع سبب التسمية بذلك إلى أنهم قالوا: إنّ العبد مُجْبَر على أفعاله، ولا اختيار له، ولا إرادة، ولا مشيئة، وإن الفاعل الحقيقي هو الله -تعالى-، وإن الله سبحانه أجبرَ العِبادَ على الإيمان أو الكفر.

فالعبد عندهم مسيَّر، لا خِيارَ له أبداً؛ فهو كالرِّيشة في مَهَبِّ الرِّيح، وعلى هذا فإنه يكفيه في مسألة الحساب والجزاء أن يؤمن بالله -تعالى- بقلبه فحسْب مَهْما فعلَ من الكفر والمعاصي، حتى الشِّرك. تعالى الله عمّا يقولون! فمن أشركَ بالله عندهم ما دام عارفاً بالله فهو مؤمن!

فهؤلاء هم الجَبْريَّة الغلاة؛ لأنهم يرون أنه ما دام الفعل كله لله -تعالى-، فلا حسابَ على العباد إلا بما يتعلق بالمعرفة في القلب؛ فمن عرَفَ اللهَ سبحانه نجا، ومن أنكرَ اللهَ هَلَكَ، والمَرْءُ وإن كان عاصياً لله فهو مُطيعٌ لإرادته. (١)


(١) وقد قرأ قارئ بحَضْرةِ بعض الجَبْريَّة: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، فقال:
هو الله منعَه، ولو قال إبليس ذلك لكان صادقاً، وقد أخطأ إبليسُ الحجةَ، ولو كنتُ حاضراً لقلتُ له: أنتَ منعتَه.
وسمعَ بعض الجَبريَّة قارئاً يقرأ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، فقال: ليس مِن هذا شيء، بل أضَلَّهم وأعماهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>