*هل هذا اللوم الذي وقع من موسى لآدمَ -عليهما السلام- كان لوماً على أصل المعصية -التي هي الأكل من الشجرة المحرمة-، أم أنه لامه على ما ترتَّبَ على المعصية -الذي هو مصيبة الخروج من الجنة-؟
والجواب:
أن الذي عليه جمهور العلماء، ورجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الراجح:
أن اللوم من موسى لآدم -عليهما السلام- لم يكن على أصل المعصية، وإنما لامه على ما ترتب على تلك المعصية، وهو مصيبة الخروج من الجنة، ومما يؤيِّد ذلك: جملةٌ من الوجوه:
*الوجه الأول:
تتبُّع روايات الحديث في الصحيحينِ وغيرهما يؤكِّد ذلك:
ففي رواية البخاري: يقول موسى لآدمَ -عليهما السلام-: «أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ...»،
وكذلك في رواية الصحيحينِ:«أَنْتَ أَبُونا خَيَّبْتَنا، وَأَخْرَجْتَنا مِنَ الْجَنَّةِ»، ولم يقُل مثلاً:"عصيتَ ربَّك، فأخرجتَنا من الجَنّةِ... "،
وكذلك في رواية أخرى عند البخاري:«أَنْتَ آدَمُ أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنّةِ»،
وفي رواية عند مسلم:«قالَ: يا آدَمُ، أَغْوَيْتَ النّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنّةِ»،
وفي رواية أخرى عند مسلم:«أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ».
*فمن مجموع هذه الروايات ترى أن هذا اللوم الذي توجَّهَ من موسى لآدم -عليهما السلام- كان ينصبُّ على مصيبة الخروج من الجنة.
ووجه الدلالة: أن آدم -عليه السلام- في رده على موسى -عليه السلام- احتجَّ بقدَر الله - تبارك وتعالى -، فلو كان اللوم من موسى لآدم -عليهما السلام- على ذات المعصية لَكانَ لازمُ ذلك: أن آدم -عليه السلام- يحتجُّ بالقدر على فعله للمعصية؛ وهذا من البُطْلان بمكانٍ، فإنَّ آحادَ بَنِيهِ من المؤمنينَ لا يحتجّون بالقدر على المعصية، فكيف يَصدُر هذا من