للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يُستدل به لذلك: الرواية الصحيحة التي رواها أبو داود في سننه من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ». (١)

** التوجيه الثالث:

إنَّ هذه المناظرة على الحقيقة؛ إمضاءً للحديث على ظاهره، كما رجّحه النووي والقرطبي، وذكرَ ابن الجوزي احتمال التقائهما في البرزخ. (٢)

لكن نقول ما قاله ابنُ حَجَر:

"وهذا مما يجب الإيمان به؛ لثُبوته عن خبر الصادق وإنْ لم يُطَّلَعْ على كيفيّة الحال، وليس هو بأوّلِ ما يجب علينا الإيمان به وإن لم نَقِفْ على حقيقة معناه، كعذاب القبر ونعيمه، ومتى ضاقت الحِيَلُ في كشف المُشكِلات لم يَبْقَ إلا التسليمُ". (٣)

وقال ابن عبد البر:

"مِثل هذا عندي يجب فيه التسليم، ولا يُوقَفُ فيه على التحقيق؛ لأنّا لم نُؤْتَ مِن جِنس هذا العلمِ إلا قَليلاً". (٤)

* الفائدة الثانية:

في قول موسى-عَلَيْهِ السَّلامُ- لآدم-عَلَيْهِ السَّلامُ-: «أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إلَى الْأَرْضِ».


(١) طَرْحُ التثريب في شرحِ التقريب (٨/ ٢٤٧).
(٢) إِكمال المُعْلِم بفَوَائِد مسْلم (٨/ ١٣٧)، المِنهاج شرح صحيح مسلم بن الحَجّاج (٨/ ٤٥٠).
(٣) فتْح الباري (١١/ ٥٠٧)، وكَشْفُ المُشْكِلِ مِن حديث الصحيحينِ (٣/ ٣٨٣)
وقد ذكر الإمام ابن كثيرٍ أن هارُونَ الرشيدَ قد حدَّثَه أبو مُعاويةَ الضَّريرُ يوماً بحديث احتجاج آدمَ وموسى، فقال عمُّ الرشيد: أين التقيا يا أبا معاويةَ؟ فغَضِبَ الرشيد من ذلك غضباً شديداً، وقال:
أتعترض على الحديث؟! عليَّ بالنَّطْعِ والسَّيْفِ، فأحضر ذلك، فقام الناس إليه يشفعون فيه، فقال الرشيد: هذه زَنْدَقةٌ! ثم أمرَ بسَجْنِه، وأقسمَ أنْ لا يخرجُ حتى يخبرني مَن ألقى إليه هذا، فأقسمَ عمُّه بالأَيْمان المغلَّظة ما قال هذا له أحدٌ، وإنما كانت هذه الكلمة بادرةً منّي، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها "، فأطلقَه.
[البداية والنهاية] (١٠/ ٢١٥).
(٤) التمهيد لما في الموطَّأ من المعاني والأسانيد (١٨/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>