جَسَّ على المسلمين، وعليه فلا يستدل به على كون المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة؟
*والرد عليه:
إذا ثبت أن ما فعله حاطب - رضي الله عنه- ليس ردة، وهذا مجمع عليه مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدَّت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب - رضي الله عنه- إعانةٌ عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام، إذا ثبت ذلك عُلم أن الإعانة لا تكون كفراً حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين، وعلم
أن القول بأن إعانة الكفار على المسلمين كفر وردة مهما كان الحامل عليها كما
هو ظاهر كلام ابن حزم في المحلى مستدلاً ببعض أحاديث الوعيد فيه نظر ظاهر. (١)
* كما يقال هنا أن التجسس على أخبار المسلمين في حقيقته هو نوع مظاهرة للمشركين، فكل ما كان مؤدياً لأن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلاً فهو من المظاهرة التى حرَّمها الشرع.
٢) فإن قيل:
القول بحمل حديث الباب على أن فعل حاطب -رضى الله عنه- كان من الموالاة العملية التى لا تُخرج من الملة، قد يكون فيه موافقة للمرجئة القائلين بحصر الكفر الأكبر في أعمال القلوب، وأنه لا كفر إلا بالحجود أو الاستحلال!!!
* والرد عليه أن يقال:
لا يستدل بترجيحٍ في مسألة ما على كون ذلك منهجاً عاماً للقائل، فلو أن إماماً من أئمة السنة يثبت صفات الله -تعالى- ثم رأيناه قد تأول أية من أيات الصفات على غير ظاهرها فلا يقال عندها بنسبته للنفاة أو المحرَّفة.
وكذلك هنا نقول، " أن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم "، بمعنى أن عدم حمل حديث الباب على الكفر الأكبر لا يعنى أننا نحصر الكفر في أعمال القلوب، كما يدعى المنازع، ولكنَّا حملناه على ذلك للقرائن والمقدمات التى تم ذكرها آنفا.