شبهات في مسألة الحاكمية:
وهذه جملة من الشبهات التي يستدل بها من يطلق حكم التكفير على من غيَّر حكم الله تعالى، ونذكر منها:
١) الاستدلال بعموم الحكم في قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
* والجواب عن هذه الشبهة من وجهين:
١) الوجه الأول:
أن هذه الآية محمولة على حالة التبديل للشرع، ونسبة ذلك إلى دين الله تعالى، ومما يؤيد ذلك:
أولاً: سبب نزول هذه الأية، فهو من المقيَّدات والمفسَّرات:
ففي حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ-رضى الله عنه- لما مُرّواَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟»، قَالُوا:
نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ:
«أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» قَالَ:
لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. (١)
*وقد ساق ابن جرير خمسة أقوال في تفسير هذه الآية ثم قال:
"وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى.
فإن قال قائل:
فإن الله - تعالى - ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما
(١) أخرجه مسلم (١٧٠٠)